فصل: غلام يصف بيت أبيه

مساءً 9 :12
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المزهر في علوم اللغة ***


النوع الخمسون‏:‏ معرفة أغلاط العرب

عقد له ابنُ جِنّى باباً في كتاب الخصائص قال فيه‏:‏ كان أبو علي يروي وَجْهَ ذلك ويقول‏:‏ إنما دخل هذا النحوُ كلامهم لأنهم ليست لهم أصول يراجعونها، ولا قوانين يستعصمون بها؛ وإنما تهجُم بهم طباعهم على ماينطقون به، فربما استهواهم الشيء فزاغوا به عن القَصْد‏.‏

فمن ذلك ما أنشده ثعلب‏:‏

غدَا مَالِكٌ يَرْمِي نِسائي كأنما *** نسائي لِسَهْمَيْ مَالِكٍ غَرَضان

فيا رب فاترك لي جُهَيْمَةَ أَعْصُراً *** فمَالِكُ موتٍٍ بالقضاء دَهانِي

هذا رجل مات نساؤه شيئاً فشيئاً، فتظلّم من مَلَك الموت، وحقيقة لفظه غلط وفاسد؛ وذلك أن هذا الأعرابي لما سمعهم يقولون مَلَك الموت، وكثر ذلك الكلام، سبق إليه أن هذه اللفظة مركبة من ظاهر لفظها، فصارت عنده كأنها فعل، لأن ملكاً في اللفظ في صورة فَلَك وحَلَك، فبنى منها فاعلاً، فقال‏:‏ مَالِك موت، وعدّى مالكاً فصار في ظاهر لفظه كأنه فاعل، وإنما مالك هنا على الحقيقة والتحصيل مافل، كما أن ملكاً على التحقيق مَفل، وأصله مَلأك؛ فألزِمت همزته التخفيف فصار ملكاً‏.‏

فإن قلت‏:‏ فمن أين لهذا الأعرابي مع جفائه وغِلظ طبعه معرفةُ التصريف؛ حتى يبنى من ظاهر لفظ مَلَك فاعلاً فقال مالك‏؟‏ قيل‏:‏ هَبْهُ لا يعرف التصريف، أتراه لا يحسن بطبعه، وقوّة نفسه، ولطف حسه هذا القَدْر هذا ما لا يجب أن يعتقده عارف بهم، آلِفٌ لمذاهبهم؛ لأنه وإن لم يعلم حقيقة تصريفه بالصَّنْعَة، فإنه يجدها بالقوّة، ألا ترى أن أعرابياً بايَع على أن يشرب عُلْبة لبن لا يتنحنح، فلما شرب بعضها كدَّه الأمر فقال‏:‏ كبش أملح، فقيل له‏:‏ ما هذا‏؟‏ تنحنحت فقال‏:‏ من تنحنح فلا أفلح؛ أفلا تراه كيف استعان لنفسه ببحة الحاء، واسْتَرْوَح إلى مُسْكِة النفس بها، وعلّلها بالصُّوَيْت اللاحق في الوقت لها ونحن مع هذا نعلم أن هذا الأعرابي لا يعلم أن في الكلام شيئاً يقال له حاء؛ فضلاً عن أن يعلمَ أنها من الحروف المهموسة، وأن الصوت يلحقها في حال سكنها والوقف عليها، ما لا يلحقها في حال حركتها، أو إدْرَاجها في حال سكونها في نحو بحر ودحن، إلاّ أنه وإن لم يحسن شيئاً من هذه الأوصاف صَنْعَة ولا علماً، فإنه يجدها طبيعة ووهماً؛ فكذلك الآخر لما سمع ملكاً وطال ذلك عليه أحسَّ من ملك في اللفظ ما يُحسه في حَلَك، فكما أنه يقول أسود حالك، قال هنا من لفظ ملك مَالك، وإن لم يَدْرِ أن مثال ملك فَعل أو مَفل، ولا أن مالكاً فاعل أو مافل، ولو بنى من ملك على حقيقة الصنعة فاعل لقيل لائك كبائك وحائك‏.‏

قال‏:‏ وإنما مكَّنت القول في هذا الموضع ليَقْوَى في نفسك قوّة حس هؤلاء القوم، وأنهم قد يلاحظون بالمُنَّة والطباع، ما لا نلاحظه نحن على طول المباحثة والسماع‏.‏

ومن ذلك همزهم مصائب وهو غَلَطٌ منهم وذلك أنهم شبَّهُوا مصيبة بصحيفة فكما همزوا صحائف همزوا أيضاً مصائب، وليست ياء مصيبة بزائدة كياء صحيفة؛ لأنها عين عن واو، وهي العين الأصلية، وأصلها مُصْوِبة، لأنها اسم فاعل من أصاب، وكأن الذي سهل ذلك أنها وإن لم تكن زائدة، فإنها ليست على التحصيل بأصْل، وإنما هي بدل من الأصل والبدل من الأصل ليس أصلاً فهو مشبه للزائد من هذه الحيثية فعومل معاملَته‏.‏

ومن أغلاطهم قولهم‏:‏ حَلأت السَّويق، ورثأت زَوْحي بأبيات، واستلأَمْتُ الحجر، ولَبّأتُ بالحج، وأما مَسيل فذهب بعضهم في قولهم في جمعه‏:‏ أمْسِلة إلى أنه من باب الغَلَطِ، وذلك أنه أُخذ من سال يسيل، وهذا عندنا غيرُ غلط، لأنهم قد قالوا فيه مَسَل، وهذا يشهد بكون الميم فاء، وكذلك قال بعضهم في مَعِين لأنه أخذه من العين، وهو عندنا من قولهم‏:‏ أمعن له بحقه إذا طاع له به، فكذلك الماء إذا جرى من العين فقد أمعن بنفسه وأطاع بها‏.‏

ومن أغلاطهم ما يتعايَوْن به في الألفاظ والمعاني؛ نحو قول ذي الرُّمة‏:‏

والجيدُ من أدْمَانةٍ عَنُودِ ***

وإنما يقال‏:‏ هي أَدْماء والرجل آدم، ولا يقال‏:‏ أدمانة؛ كما لا يقال حمْرانة وصفْرَانة، وقال‏:‏

حتى إذا دَوَّمَتْ في الأرض راجَعها *** كِبْرٌ ولو شاء نَجَّى نَفْسَهُ الهَرَبُ

وإنما يقال‏:‏ دوّى في الأرض ودوَّم في السماء، ولذلك عير بعضهم على بعض في معانيهم، كقول بعضهم لكثير في قوله‏:‏

فما روضة بالحَزْنِ ظاهرةُ الثرى *** يَمُج الندى جَثْجَانُهَا وَعَرارُها

بأطيبَ من أردان عَزَّةَ مَوْهناً *** وقد أُوقِدَتْ بِالْعَنْبَرِ اللَّدْنِ نارُها

واللّه لو فعل هذا بأمَةٍ زَنْجِيّة لطاب ريحها ألا قلت كما قال سيّدك‏:‏

ألم تر أني كلمَّا جئت طارقاً *** وجدتُ بها طِيباً وإن لم تَطَيَّبِ

وكان الأصمعي يَعيب الحطيئة، فقال‏:‏ وجدت شعره كله جيداً، فدل على أنه كان يصنعه، وليس هكذا الشاعر المطبوع، إنما الشاعر المطبوع الذي يرمي الكلام على عواهنه؛ جيده على رديئه، هذا ما أورده ابن جني في هذا الباب‏.‏

وقال ابن فارس في فقه اللغة‏:‏ ما جعل اللّهُ الشعراء معصومين يُوَقّوْن الغلط والخطأ؛ فما صح من شعرهم فمقبول، وما أبَتْهُ العربيةُ وأصولُها فمردود كقوله‏:‏

ألم يَأْتِيك والأَنباءُ تنمي ***

وقوله‏:‏

لما جفا إخوانُه مُصعباً ***

وقوله‏:‏

قفا عند مما تعرفان رُبُوع ***

فكله غلط وخطأ، قال‏:‏ وقد استوفينا ما ذكرت الرواة أن الشعراء غلِطوا فيه في كتاب خُضارة وهو كتاب نقد الشعر‏.‏

وقال القالي في أماليه‏:‏ في قول الشاعر‏:‏

وألْين من مس الرخامات تلتقي *** بمارية الجَادِيُّ والعنبر الورد

غلِط الأعرابي؛ لأن العنبر الجيد لا يوصف إلاّ بالشُّهْبَة‏.‏

وقال ابن جني‏:‏ اجتمع الكُمَيت مع نُصَيْب فأنشد الكُمَيت‏:‏

هل أنت عن طلب الأيفَاع منقلبُ ***

حتى إذا بلغ إلى قوله‏:‏

أم هل ظعائنُ بالعَلْيَاء نافعة *** وإنْ تكامل فيها الدَّلُّ والشَّنَبُ

عقد نُصيب بيده واحداً، فقال‏:‏ الكُميت‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقال‏:‏ أُحْصِي خطأك، تباعدت في قولك الدل والشنب، ألا قلت كما قال ذو الرُّمة‏:‏

لمياء في شَفَتَيْها حُوَّة لَعس *** وفي اللِّثات وفي أنيابها شَنَب

ثم أنشده‏:‏

أبت هذه النفس إلاّ ادّكاراً ***

فلما بلغ إلى قوله‏:‏

كأن الغُطَامِط من حليها *** أراجيز أَسْلَمَ تهجو غِفاراً

قال نُصَيب‏:‏ ما هجت أسلُم غِفاراً قط؛ فوجِم الكميت‏!‏ وقال ابن دُرَيْد في أواخر الجمهرة‏:‏ باب ما أجروه لى الغلط فجاؤوا به في أشعارهم قال الشاعر‏:‏

وكُلُّ صَمُوتٍ نَثْلةٍ تُبَّعِيّةٍ *** ونَسْجُ سُلَيْمٍ كلَّ قَضَاء ذائل

أراد سليمان؛ وذائل أي ذات ذيل، وقال آخر‏:‏

من نَسْجِ داوود أبي سلاّم ***

يريد سليمان، وقال آخر‏:‏

جَدْلاَء محكمة من صنْع سَلاَّم ***

يريد سليمان، وقال آخر‏:‏

وسائلة بِثَعْلَبَة بن سير ***

يريد ثَعْلبة بن سيار، وقال آخر‏:‏

والشيخ عثمان أبو عَفّاناً ***

يريد عثمان بن عفان وقال آخر‏:‏

فإن تنسنا الأيامُ والعصر تعلمي *** بني قارب أنا غِضاب لمعبد

أراد عبد اللّه لتصريحه به في بيت آخر من القصيدة، وقال آخر‏:‏

هوى بين أطراف الأسنة هَوْبَرُ ***

يريد ابن هوبر، وقال آخر‏:‏

صبحن من كاظمة الحصن الخرب *** يحملن عباس بن عبد المطلب

يريد عبد اللّه بن عباس، وقال آخر‏:‏

كأحمر عادٍ ثم تُرْضِع فَتَفطِم ***

وإنما أراد كأحمر ثمود، وقال آخر‏:‏

ومِحْورٍ أخْلِصَ مِنْ ماءِ اليَلَبْ ***

فظن أن اليَلَب حديد؛ وإنما اليَلَبُ سيور تنسج فتلبس في الحربِ، وقال آخر‏:‏

كأنه سِبْط من الأسباط ***

فظن أن السِّبط رجل، وإنما السِّبْط واحد الأسباط من بني يعقوب‏.‏ وقال آخر‏:‏

لم تَدْرِ مَا نَسْجُ اليَرَنْدَجِ قَبْلَهَا ***

ظن أن اليَرَنْدَجَ ينسج، وإنما هو جلد يصبغ، وقال آخر‏:‏

لما تحاملت الحمول حَسِبْتُهَا *** دَوْماً بأْثَلَة ناعماً مَكْمُوماً

والدَّوم‏:‏ شجر المقل، والمكموم؛ لا يكون إلاّ النخل، فظن أن الدَّوم النخل، وقال آخر يصف درّة‏:‏

فجَاء بها ما شِئْتَ من لَطَمِيّةٍ *** يدوم الفرات فَوْقَها وَيَمُوج

فجعل الدر من الماء العذب، وإنما يكون في الماء الملح، وقال آخر يصف الضفادع‏:‏

يَخْرُجْنَ من شَرَبات ماؤها طَحِل *** على الجذوع يَخَفْنَ الغَمْرَ والغرقا

والضفادعُ لا َيَخَفَنَ الغَرَق، وقال آخر‏:‏

تفض أم الهام والتَّرائِكا ***

والترائك‏:‏ بيض النعام، فظن أن البيض كله ترائك، وقال آخر‏:‏

بريّة لم تأكل المُرَقَّقا *** ولم تَذُقْ من البقول الفُسْتُقا

فظن أن الفُسْتُق بَقْل، وقال آخر‏:‏

فهل لكمو فيها إليّ فإنني *** طبيب بما أعيا النِّطَاسيّ حِذْيَما

يريد ابن حِذْيم وقال آخر‏:‏

شُعْبَتا مَيْس براها إسْكَاف ***

فجعل النجار إسْكافاً، قال أبو عبد اللّه بن خالويه‏:‏ ليس هذا غلطاً، العرب تسمي كل صانع إسكافاً‏.‏

وقال ابن دريد في الجمهرة‏:‏ قال رُؤْبَة‏:‏

هل يُنْجِيَنِّي حَلِفٌ سِختِيتُ *** أو فضة أو ذهب كبريتُ

قال‏:‏ وهذا مما غلط فيه رؤبة فجعل الكبريت ذهباً‏.‏

وقال أبو جعفر النحاس في شرح المعلقات‏:‏ قول زهير‏:‏

فَتُنْتَجْ لكمْ غِلْمَان أَشْأَم كُلُّهُمْ *** كأحمرِ عاد ثم تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ

قال‏:‏ يريد كأحمر ثمود فغلط، قال‏:‏ ومثله قول امرئ القيس‏:‏

إذا ما الثُّريا في السماء تَعَرَّضَت *** تَعَرُّض أثناء الوشَاح المُفَصَّل

قالوا‏:‏ أراد بالثُّريا الجوزاء فغلط، وتأوَّله آخرون على أن معنى تعرضت اعترضت قال‏:‏ ويقال‏:‏ إنها تعترض في آخر الليل، ويقال‏:‏ إنها إذا طلعت طلعت على استقامةٍ، فإذا استقلت تعرّضت‏.‏

وفي شرح الفصيح لابن خَالَوَيْهِ‏:‏ كان الفراء يجيز كسر النون في شَتَّان تشبيهاً بسِيان؛ وهو خطأ بالإجماع، فإن قيل‏:‏ الفراء ثقة ولعله سمعه؛ فالجواب‏:‏ إن كان الفراء قاله قياساً فقد أخطأ القياس، وإن كان سمعه من عربي فإن الغلط على ذلك العربي، لأنه خالف سائر العرب، وأتى بلغة مرغوب عنها‏.‏

فصل‏:‏ ويلحق بهذا أكاذيب العرب، وقد عقد لها أبو العباس المبرِّد باباً في الكامل، فقال‏:‏ حدثني أبو عمر الجَرْميّ قال‏:‏ سألت مقاتل الفرسان أبا عبيدة عن قول الراجز‏:‏

أهَدَّمُوا بَيْتَكَ لاَ أَبالَكَا *** وَأَنا أَمْشِي الدََّأَلَى حَوالَكا

فقلت‏:‏ لمن هذا الشعر‏؟‏ قال‏:‏ تقول العرب‏:‏ هذا يقوله الضَّبُّ لِلْحِسْل أيام كانت الأشياء تتكلم قال‏:‏ وحدثني غير واحد من أصحابنا قال‏:‏ قيل لرؤبة‏:‏ ما قولُك‏؟‏

لَوْ أَنَّنِي عُمِّرْتُ عمرَ الحِسْل *** أو عُمْرَ نوحٍ زَمَنَ الفِطَحْل

ما زمن الفِطَحْل‏؟‏ قال‏:‏ أيام كانت السِّلامُ رطَاباً، وبعد هذا البيت‏:‏

والصَّخْرُ مُبْتَلٌّ كمثل الوَحَل ***

قال‏:‏ وحدثني سُليمان بن عبد اللّه عن أبي العَمَيْثَل مولى العباس بن محمد قال‏:‏ تكاذب أعرابيان، فقال أحدهما‏:‏ خرجت مرّة علي فرس لي؛ فإذا أنا بظُلْمَةٍ شديدة فَيَمَّمْتُها حتى وصلتُ إليها، فإذا قطعةٌ من الليل لم تَنْتَبِه، فما زلت أحمل عليها بفرسي حتى أَنْبَهْتُها، فانجابت فقال الآخر‏:‏ لقد رميت ظبياً مرة بسهم، فعدل الظَّبْيُ يَمنة، فعدل السهم خلفه، فَتياسر الظبي، فتياسر السهم، ثم علا الظبيُ، فعلا السهم خلفه، ثم انحدر فانحدر حتى أخذه‏.‏

قال‏:‏ وحدثني التوّزي قال‏:‏ سألت أبا عبيدة عن مثل هذه الأخبار من أخبار العرب فقال‏:‏ إن العجم تكذب أيضاً فتقول‏:‏ كان رجل نصفُه من نحاس، ونصفُه من رصاص؛ فتعارِضُها العرب بهذا وما أشبهه‏.‏

خاتمة الكتاب

ونختم الكلام بذكر ملح ومقطعات من كلام فصحاء العرب ونسائهم وصغارهم وإمائهم‏.‏

خطبة الأعرابي المسترفد في المسجد الحرام

قال القالي في أماليه‏:‏ حدَّثنا أبو بكر بن الأنباري قال‏:‏ أخبرنا أبو حاتم قال‏:‏ أخبرنا أبو زيد قال‏:‏ بَيْنَا أنا في المسجد الحرام إذْ وَقَف علينا أعرابي فقال‏:‏ يا مسلمون؛ إنَّ الحمدَ للَّه والصلاةَ على نبيه، إني امرؤ من أهل هذا المِلْطاط الشَّرقي، المُواصِي أسيافَ تِهامةَ؛ عكَفَتْ علينا سِنُون مُحُشٌ؛ فاجْتَبَّتِ الذُّرَى، وهَشَمَت العُرَى، وجَمَشَتِ النَّجْم، وأَعْجَتِ البَهْمَ، وهَمَّت الشَّحْم‏.‏ والتَحَبَت اللَّحم، وأحْجَنَتِ العَظْم، وَغادرت التراب مَوْراً، والماء غَوْراً، والناسَ أَوْزَاعاً، والنَّبَط قُعاعاً، والضَّهل جُزَاعاً، والمَقام جَعْجَاعاً، يُصَبِّحُنا الهاوي، ويَطْرُقنا العاوي، فخرجت لا أَتَلَفَّعُ بوَصيده، ولا أتقَوَّت هَبيدَه، فالبَخَصات وقِعة، والرُّكبات زَلعة، والأطراف فَقِعة، والجِسْمُ مُسْلَهِمّ، والنظر مُدْرَهِمّ، أعْشُو فَأغْطَشُ، وأضْحَى فأَخْفَشُ، أُسْهِلُ ظالعاً، وأُحزِن راكعاً؛ فهل من آمر بِمَيْر، أو داعٍ بخير‏؟‏ وقاكم اللّه سَطْوَة القادر، ومَلكة الكاهر، وسُوءَ المَوارد، وفُضُوح المصادِر‏.‏

قال‏:‏ فأعطيته ديناراً، وكتبت كلامه واستفسرت منه ما لم أعرفه‏.‏

قال أبو بكر‏:‏ المِلْطاط‏:‏ أشَدُّ انخفاضاً من الغائط، وأوسع منه، وقال الأصمعي‏:‏ المِلْطاط‏:‏ كل شَفِيرِ نهر أو وَادٍ، والمُواصي والمواصِل واحد‏.‏

وأسياف‏:‏ جمع سِيف، وهو ساحلُ البحر وعكفت‏:‏ أقامت، والسِّنون‏:‏ الجدوب ومُحُش‏:‏ جمع مَحُوش، وهي التي تَمْحُش الكلأ، أي تحرقه، واجْتَبَّت‏:‏ قطَعت، وهَشَمَتْ‏:‏ كسرَت، والعُرى‏:‏ جَمع عُروة وهي القطعة من الشجر، وجَمَشَت‏:‏ احْتَلَقَت، والنجم‏:‏ ما ليس له ساق من النبِت، وأعْجَت‏:‏ أي جعلتْها عَجَايا والعَجِيّ‏:‏ السيء الغذاء المهزول، وهمَّت‏:‏ أذابت، والْتَحَبَتْ‏:‏ عَرَقت اللحم عن العظم، وأحْجَنتِ العظْم؛ أي عوّجَتْه فصيَّرته كالمِحْجَن، والمَوْر‏:‏ الذي يجيء ويذهب، والغَوْر‏:‏ الغائر، وأوْزاع‏:‏ فِرق، والنَّبَط‏:‏ الماء الذي يستخرج من البئر أول ما تُحْفَرُ، والقُعَاع‏:‏ الماء المِلح المرّ، والضَّهْل‏:‏ القليل من الماء‏.‏

والجُزَاع‏:‏ أشدُّ المياه مرارة، والجَعْجَاع‏:‏ المكان الذي لا يطمئن مَنْ قعد عليه، والهاوي‏:‏ الجراد، والعاوي‏:‏ الذئب، والتَّلَفُّع‏:‏ الاشتمال‏.‏

والوصيدة‏:‏ كلّ نسيجة، والهَبِيد‏:‏ حَبُّ الحنْظَل يعالج حتى يطيب فَيُخْتَبَزَ‏.‏

والبَخَصات‏:‏ لحم باطن القدم، وَوَقِعة‏:‏ من قولهم‏:‏ وَقِعَ الرجل إذا اشتكى لحم باطن قدمه، وزَلِعة‏:‏ مُتَشَقِّقَة، وقَفِعة‏:‏ قد تَقَبَّضت ويبست، المُسلَهِمّ‏:‏ الضامر المتغيّر، والمُدْرَهِمّ‏:‏ الذي ضَعُف بصره من جوع أو مرض‏.‏

قال القَالِي‏:‏ ولم يذكر هذه الكلمة أحد ممن عمل خلق الإنسان‏.‏

وأعشو‏:‏ أنظر، وأغْطَش‏:‏ من الغَطَش، وهو ضَعْف في البصر، وأُسهِل ظَالِعاً؛ أي إذا مَشَيْت في السهولة ظَلَعْت، أي غَمَزْت، وأُحْزِن راكعاً؛ أي إذا عَلَوتُ الحَزْنَ ركعت، أي كَبَوْت لوجهي، والمَيْر‏:‏ العطية، والكَاهِر والقاهر‏:‏ واحد، وقرأ بعضهم؛ ‏"‏ فَأمَّا اليَتِيمَ فَلاَ تَكْهَرْ ‏"‏‏.‏

اجتماع عامر بن الظَّرِب وحُمَمة بن رافع عند ملك من ملوك حِمْير

وقال القالي في أماليه‏:‏ حدثنا أبو بكر بن دُرَيد قال‏:‏ كان أبو حاتم يََضَنّ بهذا الحديث، ويقول‏:‏ ما حدثني به أبو عبيدة حتى اختَلَفْتُ إليه مدة، وتحمَّلْتُ عليه بأصدقائه من الثَّقفيين، وكان لهم مواخياً، قال‏:‏ حدثنا أبو حاتم قال‏:‏ حدثني أبو عبيدة‏:‏ قال‏:‏ حدثني غيرُ واحد من هَوَازِن من أولي العلم، وبعضهم قد أدرك أبوه الجاهلية أو جدّه قال‏:‏ اجتمع عامر بن الظَّرِب العَدْواني وحُمَمَة بن رافع الدَّوْسي ويزعم النُّساب أن ليلى بنت الظَّرِب أُمُّ دوْس بن عدنان وزينب بنت الظَّرِب أم ثقيف وهو قَيْسِي- قال‏:‏ اجتمع عامر بن الظّرب العدواني وحُمَمَة بن رافع عند ملك من ملوك حِمْير، فقال‏:‏ تساءلا حتى أسمع ما تقولان، فقال عامر لِحُمَمَة‏:‏ أين تحب أن تكون أياديك‏؟‏ قال‏:‏ عند ذي الرَّثْيَة العَديم، وذي الخَلَّةِ الكريم، والمُعْسِر الغَرِيم، والمُسْتَضْعَف الهَضيم‏.‏

قال‏:‏ من أحقُّ الناس بالمَقْت‏؟‏ قال‏:‏ الفقير المُخْتال، والضعيف الصَّوال، والعِيَيّ القَوَّال‏.‏

قال‏:‏ فمن أحقّ الناس بالمَنْعِ‏؟‏ قال‏:‏ الحريص الكانِد، والمسْتَمِيد الحاسد، والمُلْحِف الواجِد‏.‏

قال‏:‏ فَمَنْ أجدر الناس بالصَّنيعة‏؟‏ قال‏:‏ من إذا أُعْطِيَ شكر، وإذا مُنِع عذر، وإذا مُوطِل صَبَر‏.‏ وإذا قَدُم العهد ذَكَر‏.‏

قال‏:‏ مَنْ أكرم الناس عِشْرة‏؟‏ قال‏:‏ مَنْ إن قَرُب منح، وإن بَعُد مَدَح، وإن ظُلِم صَفَح، وإن ضُوِيقَ سَمح‏.‏

قال‏:‏ من أَلأَمُ الناس‏؟‏ قال‏:‏ من إذا سأَل خَضَع، وإذا سُئِل مَنَع، وإذا ملَك كنع؛ ظاهره جَشَع، وباطنه طَبَع‏.‏

قال‏:‏ فَمنْ أَحْلَم الناس‏؟‏ قال‏:‏ مَنْ عَفَا إذا قَدَرَ، وأَجْمَل إذا انتصر، ولم تُطْغِه عزة الظَّفَر‏.‏

قال‏:‏ فمن أحزمُ الناس‏؟‏ قال‏:‏ مَنْ أخذ رقاب الأمور بيديه، وجعل العواقب نُصْب عينيه، ونبذ التَّهيب دَبْر أذنيْه‏.‏

قال‏:‏ فمن أَخْرَق الناس‏؟‏ قال‏:‏ من ركب الخِطَار، واعْتَسَف العِثار، وأَسْرع في البِدار، قبل الاقتدار‏.‏

قال‏:‏ فمن أجود الناس‏؟‏ قال‏:‏ مَنْ بَذلَ المجهود، ولم يأْسَ على المفقود‏.‏

قال‏:‏ مَنْ أَبْلَغُ الناس‏؟‏ قال‏:‏ مَنْ جَلاَ المعنى المَزِيز، باللَّفظ الوجيز، وطَبَّق المِفْصل قبل التَّحْزيز، قال‏:‏ مَنْ أَنْعَمُ الناس عيشاً‏؟‏ قال‏:‏ من تحلَّى بالعَفاف، ورَضِيَ بالْكَفافِ، وتجاوَز ما يَخاف إلى ما لا يَخَاف‏.‏

قال‏:‏ فمن أَشْقَى الناس‏؟‏ قال‏:‏ مَنْ حسد على النّعم، وتسخَّط على القِسَم، واستشعر الندم، على فَوْت ما لم يُحْتم‏.‏

قال‏:‏ من أغنى الناس‏؟‏ قال‏:‏ مَنِ استشعر اليأس، وأبدى التَّجَمُّل للناس، واستكثر قليل النّعم، ولم يتسخَّط على القِسَم‏.‏

قال‏:‏ فمن أَحْكَم الناس‏؟‏ قال‏:‏ من صَمَت فادّكر، ونظر فاعتبر، وَوُعِظَ فازدجر‏.‏

قال‏:‏ من أجهل الناس‏؟‏ قال‏:‏ مَنْ رأى الخُرْق مَغْنَماً، والتجاوز مَغْرَماً‏.‏

قال أبو علي‏:‏ الرَّثية‏:‏ وجع المفاصل واليدين والرجلين‏.‏

والخلّة‏:‏ الحاجة، والخلّة‏:‏ الصداقة، الذكر والأنثى فيه سواء‏.‏ والكَانِد‏:‏ الذي يكفر النعمة‏.‏ والمستميد‏:‏ المستعطي، وكَنع‏:‏ تقبَّضَ وبخل، والجشع‏:‏ أسوأ الحرص، والطَّبَع‏:‏ الدنس‏.‏

ويقال‏:‏ جعلت الشيء دَبْر أذني؛ أي لم ألتفت إليه، والاعتساف‏:‏ ركوب الطريق على غير هِدَاية، وركوب الأمر على غير معرفة، والمزيز‏:‏ الصعب‏.‏

وحدثني أبو بكر بن دُرَيد قال‏:‏ سأل أعرابي رجلاً درهماً فقال‏:‏ لقد سألت مزيزاً؛ الدرهم‏:‏ عُشْر العشرة، والعشرة عُشْر المائة، والمائة‏:‏ عشر الألف والألف‏:‏ عُشْر دِيتك‏!‏ والمطبق من السيوف‏:‏ الذي يصيب المَفَاصِلَ فيفصِلها لا يجاوزها‏.‏

وقوف الأعرابي على قوم من الحاج

وفي أمالي ثعلب‏:‏ قال الأصمعي‏:‏ وقف أعرابي على قوم من الحاج، فقال‏:‏ يا قوم؛ بدء شأني والذي ألجأني إلى مسألتكم أن الغيث كان قد قَوِي عنا، ثم تَكَرفأ السحاب، وشَصَا الرَّباب‏.‏ وادْلَهَمّ سِيقُه، وارْتَجَسَ رَيِّقه، وقلنا‏:‏ هذا عام باكر الوَسْمي، محمود السُّمِي، ثم هبت الشَّمال‏.‏ فاحْزَأَلَّتْ طَخَارِيره، وتقرّع كِرْفئه متياسراً، ثم تتيّع لمعان البرق حيث تشيمه الأبصار، وتحدّه النظار، ومَرَت الجَنُوب ماءَه، فقوّض الحيُّ مُزْلَئِمِّين نحوه؛ فسرحنا المَال فيه، فكان وَخْماً وَخِيماً، فأسَافَ المَالَ، وأضاف الحال، فبقينا لا تُيَسِّر لنا حَلُوبة، ولا تَنْسُل لنا قَتُوبة، وفي ذلك يقول شاعرنا‏:‏

ومَنْ يَرْعَ بقلاً من سويقة يغتبط *** قراحاً ويسمع قول كلِّ صديق

حديث بعض مقاول حمير مع ابنه

قال القالي في أماليه‏:‏ حدثنا أبو بكر بن دريد، قال حدثنا أبو عثمان سعيد بن هارون الأشنانداني عن التوّزي عن أبي عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء قال‏:‏ كان لرجل من مَقَاوِل حمير ابنان يقال لأحدهما عمرو وللآخر ربيعة، وكانا قد بََرَعَا في الأدب والعلم، فلما بلغ الشيخ أقصى عمره وأَشْفَى على الفناء، دعاهما لِيَبْلُو عقولَهما، ويعرف مبلغَ علمهما‏.‏

فلما حضرا قال لعمرو- وكان الأكبر‏:‏ أخبرْني عن أحبِّ الرجال إليك وأكرمِهم عليك، قال‏:‏ السيِّد الجواد، القليل الأنْداد، الماجد الأجداد، الراسي الأَوْتَاد، الرفيع العماد، العظِيم الرّماد، الكثير الحُسّاد، الباسل الذَّوَّاد، الصادر الورَّاد‏.‏

قال‏:‏ ما تقول يا ربيعة‏؟‏ قال‏:‏ ما أَحْسَنَ مَا وَصَف وغيرُه أحبُّ إليّ منه، قال‏:‏ ومَنْ يكون بعد هذا‏؟‏ قال‏:‏ السيِّد الكريم، المانع للحَرِيم، المِفْضَال الحليم، القَمْقَام الزَّعِيم، الذي إن هَمَّ فعل، وإن سُئِل بَذَل‏.‏

قال‏:‏ أخبرني يا عمرو بأبْغَضِ الرجال إليك، قال‏:‏ البَرم اللئيم، المستَخْذِي للخَصِيم، المِبْطَانُ النَّهيم، العَييُّ البَكِيم، الذي إن سُئِل مَنَعَ، وإن هُدِّد خَضَع، وإن طَلَب جَشَع‏.‏

قال‏:‏ ما تقول يا ربيعة‏؟‏ قال‏:‏ غيرُه أبغضُ إليّ منه، قال‏:‏ ومَنْ هو‏؟‏ قال‏:‏ النَّموم الكَذُوب، الفاحِشُ الغَضُوب، الرغيبُ عند الطعام، الجَبَان عند الصّدام‏.‏

قال‏:‏ أخبرني يا عمرو؛ أيُّ النساء أحبُّ إليك‏؟‏ قال‏:‏ الهِركَوْلةُ اللَّفَّاء، المَمْكُورة الجَيْدَاء، التي يشفي السقيمَ كلامُها، ويُبْرئ الوَصِب إلمامُها، ِالتي إن أَحْسَنْتَ إليها شَكَرت، وإن أسأتَ إليها صَبَرَتْ، وإن اسْتَعْتَبْتَها أعْتَبَتْ، القاصِرة الطَّرف، الطَّفْلة الكَفّ، العَمِيمَةُ الرّدف‏.‏

قال‏:‏ ما تقول يا ربيعة‏؟‏ قال‏:‏ نَعَتَ فأحسن، غيرُها أحبُّ إليّ منها، قال‏:‏ ومن هي‏؟‏ قال‏:‏ الفتَّانَةُ العينين، الأسِيلَةُ الخَدَّين، الكاعِبُ الثَّدْيَيْن، الرَّدَاحُ الوَرِكين، الشاكرة للقليل، المساعدةُ للحَليل‏.‏ الرخيمة الكلام، الجمّاء العظام الكريمة الأخْوال والأعمام، العَذْبة اللِّثام‏.‏

قال‏:‏ فأيُّ النساء أبغضُ إليك يا عَمْرُو‏؟‏ قال‏:‏ القتّاتة الكَذُوب، الظاهرة العيوب، الطَّوَّافة الَهَبُوب، العابسة القَطُوب، السَّبَّابة الوَثوب، التي إن ائتمنها زوجها خانته، وإن لاَنَ لها أهانته، وإن أرضاها أغْضَبته، وإن أطاعها عَصَتْه‏.‏

قال‏:‏ ما تقول يا ربيعة‏؟‏ قال‏:‏ بئس المرأة ذَكَرَ وغيرُها أبغضُ إليّ منها، قال‏:‏ وأيتهنَّ التي هي أبغض إليك من هذه قال‏:‏ السَّليطة اللسان، المؤذية الجيران، الناطقة بالبُهتان، التي وجهُها عابس، وزوجُها من خيرِها آيس؛ التي إن عاتبها زَوْجُها وَتَرَتْه، وإن ناطقها انتَهَرَتْه، قال ربيعة‏:‏ وغيرها أبغضُ إليّ منها، قال‏:‏ ومن هي‏؟‏ قال‏:‏ التي شقي صاحبُها، وخَزيَ خاطبُها‏.‏ وافتضَح أقاربُها، قال‏:‏ ومن صاحبُها‏؟‏ قال‏:‏ صاحبها مِثْلُها في خصالها كلها، لا تصلحُ إلاّ لهُ ولا يصلح إلاّ لها، قال‏:‏ فَصِفْه لي، قال‏:‏ الكَفُور غير الشكور، واللئيم الفَخُور، العَبُوس الكالح، الحَرون الجامح، الراضي بالهوان، المُخْتال المنان، الضعيف الجَنَان، الجَعْد البنان، القَؤُول غير الفَعول، الملولُ غيرُ الوَصُول، الذي لا يَرِع عن المحارم، ولا يرتدع عن المظالم‏.‏

قال‏:‏ فأخبرني يا عمرو؛ أيُّ الخيل أحبُّ إليك عند الشدائد، إذا التقى الأقران للتجالد‏؟‏ قال‏:‏ الجَوَاد الأنيق، الحِصَان العَتيق، الكَفِيت العريق، الشديد الوثيق، الذي يفوت إذا هرب، ويَلْحَقُ إذا طلب‏.‏

قال‏:‏ نِعْمَ الفرس واللّه نَعتَّ فما تقول يا ربيعة‏؟‏ قال‏:‏ غيرُه أحبُّ إليّ منه، قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ الحِصَان الجواد، السَّلِسُ القياد، الشهْم الفؤاد، الصبور إذا سرَى، السابق إذا جرى‏.‏

قال‏:‏ فأيُّ الخيل أبغضُ إليك يا عمرو‏؟‏ قال الجَمُوح الطَّمُوح، النَّكُول الأنوح، الصّؤُول الضعيف، الملول العنيف، الذي إن جاريتَه سَبقْته، وإن طلبته أدركْتَه‏.‏

قال‏:‏ ما تقول يا ربيعة‏؟‏ قال‏:‏ غيره أبغض إليّ منه، قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ البطيء الثقيل، الحَرون الكليل، الذي إن ضربتَه قَمص، وإن دنوت منه شمس، يدركه الطالب، ويفوته الهارب، ويقطع بالصاحب، ثم قال ربيعة‏:‏ وغيره أبغضُ إليَّ منه، قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ الجموح الخَبُوط، الركوض الخَروط، الشَّمُوس الضَّروط، القَطُوف في الصعود والهبوط، الذي لا يسلِّم الصاحب، ولا ينجُو من الطالب‏.‏

قال‏:‏ فأخبرني يا عمرو؛ أيُّ العيش ألذ‏؟‏ قال‏:‏ عيش في كرامة، ونعيم وسلامة، واغتباق مُدَامة، قال‏:‏ ما تقول يا ربيعة‏؟‏ قال‏:‏ نِعْمَ العيش واللّه ما وصف وغيره أحبُّ إليَّ منه، قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ عيش في أمن ونعيم، وعزٍّ وغِنًى عميم، في ظل نجاح، وسلامة مساء وصباح، وغيره أحبُّ إليّ منه؛ قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ غِناء قائم، وعيش سالم، وظل ناعم‏.‏

قال‏:‏ فما أحبُّ السيوف إليك يا عمرو‏؟‏ قال‏:‏ الصَّقيل الحُسام، الباترُ المِخذام، الماضي السِّطام، المُرهَفُ الصَّمْصَام، الذي إذا هززته لم يَكْبُ، وإذا ضربت به لم يَنْبُ، قال‏:‏ ما تقول يا ربيعة‏؟‏ قال‏:‏ نِعْمَ السيف نَعَت وغيره أحبُّ إليَّ منه، قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ الحسام القاطع، ذو الرَّوْنق اللامع، الظمآنُ الجائع، الذي إذا هززته هَتَك، وإذا ضربت به بَتَك‏.‏

قال‏:‏ فما أبغض السيوف إليك يا عمرو‏؟‏ قال‏:‏ الفُطار الكَهام، الذي إن ضُرب به لم يقطع، وإن ذُبِح به لم يَنْخع، قال‏:‏ ما تقول يا ربيعة‏؟‏ قال‏:‏ بئس السيف واللّه ذكر وغيرُه أبغضُ إليَّ منه، قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ الطَّبِع الدَّدَان، المِعضَدُ المهان‏.‏

قال‏:‏ فأخْبِرْني يا عمرو؛ أيُّ الرماح أحبُّ إليك عند المراس، إذا اعتكر الباس، واشتجر الدِّعاس‏؟‏ قال‏:‏ أحبُّها إليَّ المارنُ المثَقَّف، المُقَوَّم المُخطَّف؛ الذي إذا هَزَزْتَه لم يَنْعَطِف، وإذا طعنت به لم يَنْقَصِف، قال‏:‏ ما تقول يا ربيعة‏؟‏ قال‏:‏ نِِعْمَ الرمح نَعَتَ؛ وغيرُه أحبُّ إليَّ منه، قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ الذَّابل العَسَّال، المُقَوَّم النَّسَّال، الماضي إذا هززته، النافذ إذا هَمَزْتَه‏.‏

قال‏:‏ فأخبرني يا عمرو عن أبغضِ الرماح إليك، قال‏:‏ الأعْصَلُ عند الطّعان، المُثَلَّم السِّنان، الذي إذا هززته انْعطف، وإذا طعنت به انقصف، قال‏:‏ ما تقول يا ربيعة‏؟‏ قال‏:‏ بئس الرمح ذَكَر وغيرُه أبغض إليَّ منه، قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ الضعيف المَهَزّ، اليابسُ الكَزّ، الذي إذا أكرهته انحطم، وإذا طعنت به انقسم، قال‏:‏ انصرفا الآن طاب لي الموت‏.‏

قال القالي‏:‏ قوله‏:‏ وإن طلبَ جشِع‏:‏ الجَشَع‏:‏ أسوأ الحرص، وقد جَشِع الرَّجُل فهو جَشع، واللَّفّاء‏:‏ الملتفَّة الجسم، والمَمْكُورة‏:‏ المطويَّة الخَلْق، والرَّدَاح‏:‏ الثقيلة العَجيزة، الضخمة الوَرْكَيْن‏.‏ والرخيمة اللَّينة الكلام‏.‏

قال ذو الرُّمة‏:‏

لها بَشرٌ مثل الحرير ومَنْطِقٌ *** رخيمُ الحواشي لا هُراءٌ ولا نَزْرُ

والجمّاء العِظام‏:‏ التي لا يوجد لعظامها حَجْم، والعَذْبة اللثام‏:‏ أراد موضع اللّثام، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، والقَتَّاتة‏:‏ النَّمَّامة، والهَبُوب‏:‏ الكثيرة الانتباه، والحصان‏:‏ الذكر من الخيل، والكَفِيت‏:‏ السريع، والنّكول‏:‏ الذي يَنْكل عن قِرنه، والأَنُوح‏:‏ الكثير الزَّحير، والمِجْذَام مِفْعَال من الجَذْم وهو القطع، والسِّطَام‏:‏ حدّ السيف، والفُطَار‏:‏ الذي لا يقطع، وهو مع ذلك حديث الطَّبْع، وقوله‏:‏ لم ينخع؛ أي لم يبلغ النُّخَاع، والطَّبَع‏:‏ الصدأ، والدَّدان‏:‏ الذي لا يقطع وهو نحو الكَهَام، والمِعْضَد‏:‏ القصير الذي يُمْتَهن في قطع الشجر وغيرها، والدِّعَاس‏:‏ الطِّعان، والعَسَّال‏:‏ الشديد الاضطراب إذا هززته، والأعصل‏:‏ الملتوي المعوج‏.‏

وصف بعض الأعراب للمطر

وقال القالي‏:‏ حدثنا أبو بكر أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال‏:‏ سئل أعرابي عن مَطر فقال‏:‏ اسْتَقَلّ سُدٌّ مع انتشار الطَّفَل، فَشَصا واحْزَأَلّ، ثم اكْفَهَرَّت أرْجاؤه، واحْموْمَتْ أَرْحاؤه، وابْذَعرَّت فَوارِقه، وَتضَاحَكَتْ بَوَارقه، واسْتَطَارَ وادِقُه، وارْتَتَقَتْ جُوَبُه، وارْتَعَن هَيْدَبُه، وحَشَكَتْ أَخْلاَفُه، واسْتَقَلَّتْ أرْدَافه، وانتشرت أكْنَافُه؛ فالرعد مُرتجِس، والبرق مُخْتَلس، والماء مُنْبَجِس، فَأَتْرَعَ الغُدُر، وانتَبَثَ الوُجُر، وخَلَط الأوعالَ بِالآجال، وقَرَن الصِّيرانَ بالرِّئال؛ فللأودِية هدير، وللشِّرَاج خَرِير، وللتِّلاَع زَفير، وحَطَّ النَّبْعَ والعُتُم، من القُلَلِ الشُّم، إلى القيعَان الصُّحْم، فلم يبق في القُلَل إلاّ مُعْصِمٌ مُجْرَنْثِم، أو داحِص مُجَرْجَم؛ وذلك من فضل رب العالمين، على عباده المذنبين‏.‏

قال القالي‏.‏ السُّد‏:‏ السحاب الذي يسد الأفق، والطَّفَل‏:‏ العَشيّ إلى حد المغرب، وشَصَا‏:‏ ارْتَفع، واحْزَأَلّ‏:‏ ارتفع أيضاً، اكْفَهَرّ‏:‏ تراكم وأرجاؤه‏:‏ نواحيه، واحْمَوْمَت‏:‏ اسودت، وأرْحَاؤُه‏:‏ أوساطه واحدها رَحاً، وابْذَعَرَّت‏:‏ تفرقت، والفوارق‏:‏ السحاب الذي يتقطع من معظم السحاب، واستطار‏:‏ انتشر، والوادِق‏:‏ الذي يكون فيه الوَدْق؛ وهو المطر العظيم القطر‏.‏

وارْتَتَقَتْ‏:‏ التأمت، وجُوبه‏:‏ فُرَجُه، وارْتَعن‏:‏ استَرْخَى، والهَيْدَب‏:‏ الذي يتدلى ويدنو مثل هُدْب القطيفة، وحَشَكت‏:‏ امتلأت، والخِلْف‏:‏ ما يقبض عليه الحالب من ضَرْع الشاة والبقرة والناقة، واستقلّت‏:‏ ارتفعت‏.‏

وأردافه‏:‏ مآخيره، وأكْنافه‏:‏ نواحيه، ومُرْتجس‏:‏ مُصَوّت، ومُخْتَلِس‏:‏ يختلس البصر لشدة لمعانه، ومُنْبَجِس‏:‏ مُنْفَجِر، وأترع‏:‏ ملأ، والغُدُر‏:‏ جمع غدير، وانتَبَثَ‏:‏ أخرج نَبيثَتَها، وهو تراب البئر والقبر، يريد أنّ هذا المطر لشدته هدم الوُجُر؛ وهي جمع وِجَار، وهو سَرَب الثعلب والضَّبُع، حتى أخرج ما دخلها من التراب، والأوْعال‏:‏ جمع وَعِل وهو التيس الجبلي، والآجال‏:‏ جمع إجْل، وهو القطيع من البقر، يريد‏:‏ أنه لشدته يحمل الوعول وهي تسكن الجبال، والبقر وهي تسكن القيعان والرمال، فجمع بينهما، والصِّيرَان‏:‏ جمع صُوَار وهو القطيع من البقر‏.‏

والرِّئَال‏:‏ جمع رَألَ وهو فرخ النعام؛ فالرئال تسكن الجَلَد، والصِّيران تسكن الرمال والقيعان، فقرن بينهما، والشِّرَاج‏:‏ مجاري الماء من الحِرار إلى السُّهولة، والتِّلاع‏:‏ مجاري ما ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي، والنَّبْع‏:‏ شجر ينبت في الجبال، والعُتُم‏:‏ الزيتون الجبلي، والقُلَل‏:‏ أعالي الجبال، والشّم‏:‏ المرتفعة، والقِيعان‏:‏ الأرض الطيبة الطين الحُرَّة، والصُّحْم‏:‏ التي تعلوها حمرة‏:‏ والمُعْصِم‏:‏ الذي قد تَمَسَّك بالجبال وامتنع فيها، والمُجْرَنْثِم‏:‏ المُتَقَبِّض، والداحص‏:‏ الذي يَفْحَص برجليه عند الموت، والمُجَرْجَم‏:‏ المصْروع‏.‏

حديث قَيْس بن رفاعة مع الحارث بن أبي شِمْر الغَسَّاني

قال القالي‏:‏ حدثنا أبو بكر حدثنا أبو عثمان سعيد بن هارون الأُشنانداني عن التوَّزي عن أبي عبيدة قال‏:‏ كان أبو قيس بن رفاعة يفد سنةً إلى النعمان اللَّخْمي بالعراق، وسنةً إلى الحارث بن أبي شِمْر الغساني بالشام؛ فقال له يوماً وهو عنده‏:‏ يابن رفاعة، بلغني أنك تفضل النعمان عليّ، قال‏:‏ وكيف أفضله عليك، أبيت اللعن فواللّه لَقفَاك أحسنُ من وجهه، ولأُمُّكَ أشْرَفُ من أبيه، ولأبوك أشرف من جميع قومه، ولَشِمالك أجودُ من يمينه، ولَحِرْمَانُك أنْفع من نداه، ولَقليلك أكثر من كثيره، ولَثِمَادُك أغزر من غديره، ولَكُرْسِيُّك أرفعُ من سريره، ولَجَدْوَلُك أغْمَرُ من بحوره، وليومُك أفضل من شهوره، ولشهرُك أَمدُّ مِن حَوْله، ولَحولُك خير من حُقْبه، ولَزَندُك أوْرَى من زَنده، ولَجُندك أعز من جنده؛ وإنك لَمِنْ غَسّان أرباب الملوك، وإنه لمن لَخْم الكثير النُّوك، فكيف أفضله عليك‏؟‏

شيخ مسه الضر

وقال ابن دريد في أماليه‏:‏ أخبرنا أبو حاتم قال‏:‏ قال الأصمعي‏:‏ وقف أعرابي علينا في جامع البصرة، ومعه أب له شيخ، فقال‏:‏ أيها الناس، أتى الأزْلَم الجَذَع على شيخي فأحنى عليه، فأطرَّ قَناته، وحَصَّ شَوَاته، واخْتَلج كُفَاتَه فغادره في متيهة أبوال البغال وقفاف لامعة؛ فأزعجه الضِّماد عن بلده، وسَلبه فَيْضَ عَدده، وفَتّ في أيْدِ عَضُده، على فَقْرٍ حاضر، وَضَعْفٍ ظاهر، فنستنجِد اللّهَ ثم إياكم للضَّريك النزيك، بعد الأبَلاَتِ والرَّبَلات، ورماه بالذآليل المُصْمَئِلاَّت، فصار كالمتقي النسيء، لا تؤمن عليه وطأة مَنْسِم، ولا نَكْزَة أرْقَم، ولا عَدْوَة مِلهَم، فأقرضونا على من فسح لكم المسارب، وأَنْبَط لكم المشارب‏.‏

أعرابي بالكناسة

وقال‏:‏ أخبرنا أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل قال‏:‏ وقف أعرابيّ من بني طَيِّئ بالكُناسة، والناس بها متوافرون، فقال‏:‏ يا أيها البَرنَسَاء؛ كَلِبَ الأزْلَم، وضَنَّ المُرْزَمُ، وعكفت الضَّبُع؛ فجهشت المَرْتع، وصلصلت المَتْرَع، وأثارت العَجاج، وأقْتمت الفِجَاج، وأنبضت الوجاح، فالأُفقُ مغبَّرة، والأرضُ مُقْشَعِرَّة، والعيون مُسْمَدِرّة، والأيامُ مقمطرّة، فباد الوفْر، واستحوذ الفقر، فالأرْضُ أَمْرَات، والجمع شَتات، والطَّمُوش أحياء كأموات، فهل من ناظر بعين رَأْفه، أو داعٍ بكشف آفه قد ضَعُف النَّطيس، وبلغ النَّسِيس‏.‏

فجمع له قوم ممن سمع كلامَه دراهم، فلما صارت في يده قلبها، ثم قال‏:‏ قاتلك اللّه حجراً ما أوضعك للأخطار، وأدْعاك إلى النار‏!‏

أعرابي في مسجد البصرة

وقال القالي‏:‏ حدثنا أبو بكر، قال‏:‏ حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن يونس قال‏:‏ وقف أعرابي في المسجد الجامع بالبصرة، فقال‏:‏ قَلَّ النَّيْلُ، ونَقَص الكَيْل، وعَجِفت الخيل، واللّه ما أصبحنا نَنْفخُ في وضَح، وما لنا في الديوان من وَشْمَة، وإنا لَعيال جَرَبّة، فهل من معين أعانه اللّه يعين ابنَ سبيل، ونِضْو طريق وفَلَّ سنة‏؟‏ فلا قليل من الأجر، ولا غنَى عن اللّه، ولا عمل بعد الموت ‏!‏ الوَضَح‏:‏ اللبن، ومراده بالوشمة الحظ، والجَرَبَّة‏:‏ الجماعة، والفَلّ‏:‏ القوم المنهزمون‏.‏

أعرابي يصف فرساً ابتاعه

وقال القالي‏:‏ حدثنا أبو بكر بن دُرَيْد حدثني عمي عن أبيه، عن ابن الكلبي قال‏:‏ ابتاع شاب من العرب فَرساً، فجاء إلى أمه وقد كُفّ بصرها، فقال‏:‏ يا أمّي؛ إني قد اشتريت فرساً، قالت‏:‏ صفه لي، قال‏:‏ إذا اسْتَقبلَ فَظَبْيٌ نَاصِب، وإذا استدبر فهِقْلٌ خاضِب، وإذا استعرض فَسِيدٌ قارب، مُؤَلَّلُ المِسْمَعين، طامِحُ النّاظرين؛ مُذَعْلَقُ الصَّبِيَّيْن، قالت‏:‏ أجْوَدْت إنْ كنت أَعْربْتَ، قال‏:‏ إنه مُشْرِفُ التَّليل، سَبْطُ الخَصِيل، وَهْوَاهُ الصَّهيل، قالت‏:‏ أكرمت فَارْتبط‏!‏ قال القالي‏:‏ الناصب‏:‏ الذي نَصَب عنقه وهو أحسن ما يكون، والهِقْل‏:‏ الذكر من النعام‏.‏ والخَاضِب‏:‏ الذي أكل الربيع فاحمرت ظُنْبُوبَاه وأطرافُ ريشه، والسِّيد‏:‏ الذئب، ومُؤَلّل‏:‏ مُحَدَّدُ‏.‏ وطامح‏:‏ مشرف، والذُّعلوق‏:‏ نبت، والصَّبيان‏:‏ مجتمع لَحْيَيْه من مُقَدَّمِهما، والتَّليل‏:‏ العُنق، والخَصيل‏:‏ كل لحمة مستطيلة، والوَهْوَهَه‏:‏ صوت تقطّعه‏.‏

غلام يصف بيت أبيه

قال القالي‏:‏ حدثنا أبو بكر، قال‏:‏ أخبرني عمي عن أبيه عن ابن الكلبي قال‏:‏ خرج رجل من العرب في الشهر الحرام طالباً حاجة، فدخل في الحِلّ، فطلب رجلاً يستجير به، فَدَفع إلى أُغيْلمة يلْعبون، فقال لهم‏:‏ مَنْ سيد هذا الحِواء‏؟‏ قال غلام منهم‏:‏ أبي، قال‏:‏ ومن أبوك‏؟‏ قال‏:‏ باعِث بن عَوَيْص العاملي، قال‏:‏ صف لي بيت أبيك من الحِواء، قال‏:‏ بيت كأنه حَرّة سوداء، أو غمامة حَمّاء، بفنائه ثلاث أفراس؛ أما أحدها‏:‏ فَمُفْرِع الأكتاف، مُتمَاحِل الأكناف، مَاثلٌ كالطِّراف، وأما الآخر‏:‏ فَذَيَّال جَوَّال صَهَّال، أمين الأوصال، أشم القَذَال،وأما الثالث‏:‏ فمُغار مُدْمَج، مَحْبُوك مُحَمْلَج، كالقَهْقَرِ الأدْعج‏.‏

فمضى الرجل حتى انتهى إلى الخِباء فعقد زمام ناقته ببعض أطنابه وقال‏:‏ يا باعث، جارٌ عَلِقَتْ عَلاَئِقُه، واستحكمت وثائقه؛ فخرج إليه باعث فأجَاره‏.‏

قال القالي‏:‏ المُفْرع‏:‏ المشرف، والمتماحل‏:‏ الطويل، والأكناف‏:‏ النواحي؛ يريد أنه طويل العنق، والقوائم، والماثل‏:‏ القائم المنتصب، والطِّراف‏:‏ بيت من أَدَم، والذَّيال‏:‏ الطويل الذَّنب‏.‏ والأوْصال‏:‏ جمع وُصْل، وأشم‏:‏ مرتفع، والقَذَال‏:‏ مَعْقِد العِذار، والمُغَار‏:‏ الشديد الفَتْل، يريد أنه شديد البدن، ومحبوك‏:‏ مُوثَق مَشْدُود، ومُحَمْلَج‏:‏ مفتول، والقَهْقَر‏:‏ الحجر الصلب، والأدعج‏:‏ الأسود‏.‏

حديث روّاد مذحج

وقال القالي‏:‏ حدثنا أبو بكر بن دريد قال‏:‏ حدثني السكن بن سعيد عن محمد بن العباد عن ابن الكلبي عن أبيه عن أشياخ من بني الحارث بن كلب، قالوا‏:‏ أجْدَبَتْ بلاد مَذْحِج فأرسلوا رُوَّاداً من كل بَطْن رجلاً، فبعثتْ بنو زَبيد رائداً، وبعثت النَّخَع رائداً، وبعثت جُعفيّ رائداً‏.‏

فلما رجع الرُّواد، قيل لرائد بني زَبيد‏:‏ ما وراءك‏؟‏ فقال‏:‏ رأيت أرضاً مُوشِمَة البِقَاع، نَاتِحَة النِّقَاع، مُسْتَحْلِيسَةَ الغِيطَان، ضَاحِكَة القُرْيَان، وَاعِدَةً وأَحْرِ بوفائها، راضية أرضُها عن سمائها، وقيل لرائد جُعْفى‏:‏ ما وراءك‏؟‏ فقال‏:‏ رأيت أرضاً جَمَعت السماءُ أقطارَها فأمْرَعت أصْبَارَهَا، وديَّثَتْ أوْعَارَها؛ فَبُطْنَانُها غَمِقة؛ وظُهْرَانُها غَدِقة ورياضها مُسْتَوْسِقة، وَرَقَاقُها رَائخ، وَوَاطِئُها سَائخ، وماشِيها مسرور، وَمُصْرِمها مَحْسُور‏.‏

وقيل للنَّخَعي‏:‏ ما وراءك‏؟‏ فقال‏:‏ مَدَاحِي سَيْل، وزُهَاء لَيْل، وغَيْلٌ يُواصِي غَيْلاً، وقد ارْتَوَتْ أجْرَازُها، ودُمِّثَ عَزَازُها، والْتَبَدَتْ أقْوَازُها، فَرَائِدُها أَنِق، وراعِيها سَنِق، فلا قَضَضَ، ولا رَمَض، عَازِبُها لا يُفْزَع، ووارِدُها لا يُنْكَع‏.‏

فاختاروا مَرَاد النَّخَعي‏.‏

قال القالي‏:‏ قال الأصمعي‏:‏ أوشمت السماء إذا بدا فيها برْق، وأوْشَمت الأرض إذا بدا فيها شيء من النبات، وناتحة‏:‏ راشحة، والمسْتَحْلِسَة‏:‏ التي قد جَلَّلَتْ الأرض بِنَبَاتها، والقُرْيان‏:‏ مجاري الماء إلى الرياض، واحدها قَرِيّ، وأَحْرِ‏:‏ أَخْلِقْ، والسماء‏:‏ هنا المطر؛ يريد أنّ المطر جَادَ بِها، فطال النَّبت فصار المطر كأنه قد جمع أكنافه، وأمْرَعَت‏:‏ أعشبت وطال نبتها، والأَصْبار‏:‏ نواحي الوادي، ودُيِّثَتْ‏:‏ لُيِّنَتْ، والأوْعار‏:‏ جمع وَعْر، وهو الغِلَظ والخشونة، والبُطْنان‏:‏ جمع بطن وهو ما غَمُض من الأرض، وغَمِقة‏:‏ ندِيّة، والظُّهران‏:‏ جمع ظهر وهو ما ارتفع يسيراً‏.‏ وغَدِقة‏:‏ كثيرة البَلل والماء، ومُستَوْسِقَة‏:‏ منتظمة، والرَّقاق‏:‏ الأرض اللينة من غير رمل‏.‏ ورائخ‏:‏ مفرط اللّين، وسائخ‏:‏ تسوخ رجلاه في الأرض من لينها، والمَاشِي‏:‏ صاحب الماشية‏.‏ والمُصْرم‏:‏ المقل المقارب المال، ومَدَاحي‏:‏ مَفاعل من دَحَوْته، أي بسطته، وقوله‏:‏ زُهاء ليل‏:‏ شبه به النبات لشدة خضرته، والغَيْل‏:‏ الماء الجاري على وجه الأرض، ويُوَاصي‏:‏ يواصل‏.‏ والأجْرَاز‏:‏ جمع جُرُز، وهي التي لم يصبها المطر، ودُمّث‏:‏ لُيّن، والعَزَاز‏:‏ الصّلب، والأقْواز‏:‏ جمع قَوْز وهو نَقًى يستدير كالهلال، وأنِق‏:‏ مُعْجَب بالمرعى، وسَنِق‏:‏ بَشِم،، والقَضَض‏:‏ الحصى الصغار؛ يريد أن النبات قد غطى الأرض فلا ترى هناك قَضَضَا، والرَّمَض‏:‏ أن يحمي الحصى من شدة الحر؛ يقول‏:‏ ليس هناك رَمَض لأن النبات قد غطى الأرض، والعازِب‏:‏ الذي يَعْزُب بإبله؛ أي يبعد بها في المرعى، ويُنْكَعُ‏:‏ يمنع‏.‏

سؤال الهلال وجوابه

وقال الفراء في كتاب الأيام والليالي‏:‏ يقال للهلال‏:‏ ما أنتَ ابنَ ليلَة‏؟‏ فقال‏:‏ رضاعُ سُخيلَة، حلَّ أهلُها بِرُمَيْلَة، قيل‏:‏ ما أنت ابن لَيْلتيْن‏؟‏ قال‏:‏ حديث أمَتَيْن، بكذب دمين قيل‏:‏ ما أنت ابنَ ثلاث‏؟‏ قيل‏:‏ حديث فتيات، غير جدِّ مؤتلفات قيل‏:‏ ما أنت ابنَ أربع‏؟‏ قال‏:‏ عَتمة أمِّ رُبَع، لا جائع ولا مرضع، قيل‏:‏ ما أنت ابنَ خمس‏؟‏ قال‏:‏ عشاءُ خَلِفات قُعس، قيل‏:‏ ما أنت ابنَ ست‏؟‏ قال‏:‏ سرْ وبتْ قيل‏:‏ ما أنت ابنَ سبع‏؟‏ قال‏:‏ دُلْجةُ الضَّبُع، قيل‏:‏ ما أنت ابنَ تسع‏؟‏ قال‏:‏ منقطع الشِّسْع، قيل‏:‏ ما أنت ابنَ عشر‏؟‏ قال‏:‏ ثلث الشهر‏.‏

أسجاع العرب في الأنواء

وقال ابن قتيبة في كتاب الأنواء‏:‏ يقول ساجع العرب‏:‏ إذا طلع السَّرَطان، استوى الزمان، وخضِرت الأغصان، وتهادت الجيران‏.‏

إذا طلع البُطَيْن اقتُضِيَ الدَّيْن، وظهر الزَّيْن، واقْتُفي بالعطاء والقَيْن‏.‏ إذا طلع النَّجْم- يعني الثريا- فالحرُّ في حَدْم، والعُشْب في حَطْم، والعانات في كَدْم‏.‏

إذا طلع الدَّبَران، توقّدت الحِزَّان، وكرهت النيران، واسْتَعَرت الذّبَان، ويبست الغُدْران، ورمت بأنفسها حيث شاءت الصبيان‏.‏

إذا طلعت الهَقْعَة، تقوض الناس للقُلْعة، ورجعوا عن النُّجعَة؛ وأرْدَفَتْها الهَنْعَة‏.‏

إذا طلعت الجوزاء توقدت المَعْزاء، وكَنَست الظّباء وعرِقَتِ العِلْبَاء، وطاب الخِبَاء‏.‏

إذا طلعت العُذْرة، لم يبق بُعَمان بُسْرة، إلاّ رَطْبة أو تَمرَة‏.‏

إذا طلعت الذِّرَاع، حَسَرت الشَّمْسُ القِنَاع، وأشعلتْ في الأفُق الشُّعَاع، وترقرق السَّرَاب بكل قاع‏.‏

إذا طلعت الشِّعْرى، نَشِف الثَّرى، وأجَنَ الصَّرَى، وجعل صاحب النخل يَرَى‏.‏

إذا طعلت النَّثْرة، قَنأت البُسْرة، وجُنِيَ النخل بُكرة، وأوت المواشي حَجْرة، ولم تترك في ذات دَرٍّ قَطْرة‏.‏

إذا طلعت الصَّرْفة، بكرتِ الخُرْفه، وكثرت الطُّرْفة، وهانت للضيف الكُلْفَة‏.‏

إذا طلعت الجهة، تحانّت الوَلَهَة، وتنازَتْ السَّفَهة، وقلت في الأرض الرَّفَهه‏.‏

إذا طلعت الصَّرْفة، احتال كل ذي حِرْفه، وجَفر كُلُّ ذِي نطفه، وامْتَيَز عن المياه زُلْفه‏.‏

إذا طلعت العَوَّاء، ضُربَ الخِبَاء، وطاب الهَواء، وكُرِه العَراء، وشَنَّنَ السِّقاء‏.‏

إذا طلع السِّماك، ذهب العِكَاك، وقل على الماء اللِّكَاك‏.‏

إذا طلع الغَفْر، اقشعر السَّفْر، وتَربَّل النَّضْر، وحَسُن في العين الجمر‏.‏

إذا طلعت الزُّبَانا، أحدثت لكل ذي عِيال شَانا، ولكل ذي ماشية هَوانا، وقالوا‏:‏ كان وكانا، فاجمع لأهلك ولا توانى‏.‏

إذا طلع الإكْليل، هاجت الفُحُول، وشُمِّرت الذُّيُول، وتخوفت السيول‏.‏

إذا طلع القَلب، جاء الشتاء كالكَلْب، وصار أهل البوادي في كَرْب، ولم تُمَكِّن الفحلَ إلاّ ذاتُ ثَرْب‏.‏

إذا طلعت الشَّوْله، أعجلت الشيخَ البوْله، واشتدَّت على العيال العَوْله، وقيل شَتْوة زَوله‏.‏

إذا طلعت العَقْرب، جَمِس المِذْنَب، وقَرّ الأشْيَب، ومات الجُنْدَب، ولم يصر الأخطب‏.‏

إذا طلعت النَّعَائم، تَوَسَّفت التَّهائم، وخَلَص البرد إلى كل نائم، وتلاقت الرِّعاء بالتَّمائم‏.‏

إذا طَلَعتِ البلدة، جَمَّمَتِ الجعده، وأكِلَت القشدة، وقيل للبرد اهْدَه‏.‏

إذا طلع سَعْدُ الذابح، حمى أهلَه النابح، ونَقَع أهله الرَّائح، وتصبَّح السارح، وظهرت في الحي الأنافح‏.‏

إذا طلع سَعْدُ بُلَع، اقتحم الرُّبَع، ولَحِقَ الهُبَع، وصيد المُرَع، وصار في الأرض لُمَع‏.‏

إذا طلع سعد السُّعود، نضر العُود، ولانت الجُلود، وكُرِه في الشمس العقود‏.‏

إذا طلع سعد الأخْبية، زُمّت الأسقية، وتدلّت الأحويه، وتجاورت الأبنيه‏.‏

إذا طلع الدلو، هِيب الجَذْو، وأَنْسَل العفو، وطلب الخلوُ واللهو‏.‏

إذا طلعت السّمكة، أمكنت الحرَكة، وتَعَلّقت الحَسَكه، ونُصِبَت الشَّبكه، وطاب الزمان للنَّسَكه‏.‏

وقال أبو حاتم السِّجِسْتاني في كتاب الليل والنهار‏:‏ قال أبو زيد‏:‏ يقولون‏:‏ الهلال لأول لَيْله‏.‏ رضاعُ سُخَيله،يَحُلُّ أهلها بِرُمَيْله، ولابن ليلتين، حديث أَمَتين، بكذب ومَيْن، ولابن ثلاث‏:‏ حديث فَتيات، غير جد مؤتلفات، ولابن أرْبع‏:‏ عَتمة رُبَع غير حبلى ولا مرضع، وقال بعضهم‏:‏ عَتمة أمّ رُبَع، ولابن خَمس‏:‏ عَشاء خَلِفات قُعْس، وزعم غير أبي زيد، أنه يقال لابن خمس‏:‏ حَديث وأنس، وقال أبو زيد‏:‏ ابن سِتْ، سِرْوِبتْ، ولابن سبع‏:‏ دُلْجة الضّبع، وقال غيره‏:‏ هُدًى لأنْس ذي الجَمع، ولابن ثَمان‏:‏ قَمر أضحيان، ولابن تسع‏:‏ انقطع الشِّسْع، وقال غيره‏:‏ مُلْتَقط الجِزع، قال أبو زيد‏:‏ ولابن عَشْر، ثلث الشهر، وقال غيره‏:‏ مُحْنِق للفجر‏.‏

وقال غير أبي زيد‏:‏ قيل للقمر‏:‏ ما أنت لإحدى عَشْرة‏؟‏ قال‏:‏ أَرَى عَشاء وأَرَى بكره‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لاثنتي عشرة‏؟‏ قال‏:‏ مؤنق للشمس بالبدو والحضر‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لثلاث عشرة‏؟‏ قال‏:‏ قمر باهر، يَعشَى له الناظر‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لأربعَ عشرة‏؟‏ قال‏:‏ مقتبل الشباب، أضيء مَدْحيات السحاب‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لخمسَ عشرة‏؟‏ قال‏:‏ تَمّ التمام، ونفدت الأيام‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لست عشرة‏؟‏ قال‏:‏ نَقَص الخلق، في الغرب والشرق‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لسبعَ عشرة‏؟‏ قال‏:‏ أمكنت المفتقر الفقره‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لثمانيَ عشرة‏؟‏ قال‏:‏ قليل البقاء، سريع الفناء‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لتسع عشر‏؟‏ قال‏:‏ بطيء الطلوع، بَيِّن الخشوع‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لعشرين‏؟‏ قال‏:‏ أطلع بالسَّحره، وأرى بالبهره‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لأحدى وعشرين‏؟‏ قال‏:‏ كالقَبس، أطلع في غَلس‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لاثنتين وعشرين‏؟‏ قال‏:‏ أطيل السُّرى، إلاّ ريثما أرى‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لثلاث وعشرين‏؟‏ قال‏:‏ أطلعُ في قتمه، ولا أجلى الظّلمه‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لأربع وعشرين‏؟‏ قال‏:‏ دنا الأجل، وانقطع الأمل‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لخمس وعشرين‏؟‏ قال‏:‏ قيل‏:‏ فما أنت لست وعشرين‏؟‏ قال‏:‏ دنا ما دنا، وليس يرى لي سَنا‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لسبع وعشرين‏؟‏ قال‏:‏ أطلع بكراً، وأرى ظُهْراً‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لثمان وعشرين‏؟‏ قال‏:‏ أسبق شُعاع الشمس‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لتسع وعشرين‏؟‏ قال‏:‏ ضئيل صغير، ولا يراني إلاّ البصير‏.‏

قيل‏:‏ فما أنت لثلاثين‏؟‏ قال‏:‏ هلال مستقبل‏.‏

حديث أم زَرْع

وأخرج البخاري ومُسلم والتِّرمِذي في الشمائل وأبو عُبيد القاسم بن سلام والهَيْثم بن عدي والحارث بن أبي أُسامة والإسماعيلي وابن السِّكِّيت وابن الأنباري وأبو يَعْلَى والزُّبَيْر بن بكَّار والطَّبَراني وغيرهم، واللفظ لمجموعهم؛ فعند كلّ ما انفرد به عن الباقين، والمحدِّثون يعبرون عن هذا بقولهم‏:‏ دخل حديث بعضهم في بعض‏.‏

عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت‏:‏ جلست إحدى عشرة امرأة من أهل اليمن، فتعاهدْن وتعاقدْن أنْ لا يكتمْنَ من أخبار أزواجهن شيئاً‏.‏

فقالت الأولى‏:‏ زوجي لَحْم جمل غَثٌّ، على رأس جبل وَعْث، لا سهل فيُرتقى، ولا سمين فَيُنتَقَى‏.‏

قالت الثانية‏:‏ زوجي لا أبُثّ خَبَره، إني أخاف أن لا أذَره، إن أذكرْه أذكرْ عُجَرَه وبُجَرَه‏.‏

قالت الثالثة‏:‏ زوجي العَشَنَّق، إن أنْطقْ أُطَلَّق، وإن أسْكُت أُعَلَّق، على حَدِّ السِّنَان المُذَلَّق‏.‏

قالت الرابعة‏:‏ زوجي كَلَيْل تهامة، لا حَرَّ ولا قُرّ، ولا وَخَامة ولا سآمة، والغيث غيث غمامه‏.‏

قالت الخامسة‏:‏ زوجي إن دخل فَهِد، وإن خرج أسِد، ولا يسأل ما عَهِد ولا يرفع اليوم لغد‏.‏

قالت السادسة‏:‏ زوجي إن أكل اقْتَفّ، وإن شرب اشْتَفّ، وإن اضطجع الْتَفّ وإذا ذبح اغتث ولا يولج الكَفّ، ليعلم البَثّ‏.‏

قالت السابعة‏:‏ زوجي غَيَاياء، أو عَيَايَاءُ طَباقاء، كل داء له داء، شجك أو بَجّك أو فَلّك أو جمع كُلاّلِك‏.‏

قالت الثامنة‏:‏ زوجي الْمَسُّ مَسُّ أرْنب، والريح ريح زَرْنب وأنا أغلبُه والناسَ يَغْلِب‏.‏

قالت التاسعة‏:‏ زوجي رفيع العماد، طويل النِّجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد، لا يشبع ليلة يُضاف، ولا ينام ليلةَ يخاف‏.‏

قالت العاشرة‏:‏ زوجي مالِك، وما مَلَك مالِكٌ خير من ذلك، له إبل قليلات المسَارح، كثيرات المبارِك، إذا سمعن صوت المِزْهر أيقن أنهن هوالك، وهو إمام القوم في المهالك‏.‏

قالت الحادية عشرة‏:‏ زوجي أبو زَرْع، وما أبو زَرْع‏؟‏ أَنَاسَ من حُليٍّ أذنيَّ وفرعيّ وملأ من شَحْمٍ عَضُديَّ، وبَجَّحَني فبجَحَتْ نفسي إليّ، وجدني في أهل غُنَيْمة بِشِقّ، فجعلني في أهل صهِيل وأطِيط ودَائِسٍ ومُنِقّ؛ فعنده أقول فلا أُقَبَّح، وأَرْقُدُ فأتَصَبَّح، وأشرب فأتَقنَّح، وآكل فأتَمَنَّح‏.‏

أم أبي زرع‏:‏ فما أم أبي زَرْع‏؟‏ عُكُومها رَدَاح، وبيتُها فَساح‏.‏ ابن أبي زرع‏:‏ فما ابنُ أبي زرع‏؟‏ كَمَسَلّ شَطْبَة، وتُشْبعه ذِراع الجَفْرة، وترويه فِيقة اليَعْرة، ويميس في حَلَقِ النَّثْرة‏.‏ بنت أبي زَرْع‏:‏ فما بنت أبي زرع‏؟‏ طَوْع أبيها، وطوع أمها وزين أهلها ونسائها وملء كسائِها وصِفْر ردائها، وعَقْر جارتها، قَبّاء هَضِيمة الحشا، جائلة الوشاح، عَكْناء، فَعْماء، نَجْلاء، دَعْجاء، رَجَّاء، زَجَّاء، قَنواء، مؤنقة مُنفِقة، بَرُود الظل، وفيّ الأل، كريمة الخِلّ، جارية أبي زرع‏:‏ فما جارية أبي زرع‏؟‏ لا تَبُثّ حديثنا تَبْثِيثاً، ولا تُنَقِّثُ مِيرَتنا تَنقيثاً، ولا تملأ بيتنا تَعْشِيشاً، ضيف أبي زَرْع‏:‏ فما ضَيْفُ أبي زَرْع‏؟‏ في شِبَع ورِيّ ورَتْع، طهاة أبي زَرع‏:‏ فما طهاة أبي زَرْع‏؟‏ لا تفْتُر ولا تَعْرَى، تقدَح وتنصب أخرى، فتلحق الآخرة بالأولى، مال أبي زرع‏:‏ فما مال أبي زرع‏؟‏ على الجُمَم معكوس، وعلى العُفَاة مَحْبوس، قالت‏:‏ خرج أبو زرع من عندي والأوطاب تُمْخَض، فَلَقِيَ امرأة معها ولدان لها كالفَهْدين يلعبان من تحت خَصْرِها برمانتين، فنكحها فأعجبته فلم تزل به حتى طلقني فاستبدلت وكل بَدَل أعور فنكحت بعده رجلاً سَرِيّاً، شريّاً، ركب وأخذ خَطِّياً، وأراح عليَّ نَعَماً ثَرِيّاً، وأعطاني من كل رائحة زوجاً، وقال‏:‏ كلي أُم زَرع، ومِيري أهلَكِ، قالت‏:‏ فلو جَمَعْتُ كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغرَ آنية أبي زَرع‏.‏

قالت عائشة‏:‏ فقال لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كنتُ لكِ كأبي زَرعٍ لأم زرع، إلاّ أنه طَلقها وإني لا أُطَلِّقُكِ»، فقالت عائشة‏:‏ بأبي أنت وأمي لأنت خير لي من أبي زَرْعٍ لأُمِّ زَرعٍ‏.‏

الغَثُّ‏:‏ الهزيل، والوَعْث‏:‏ الصعب المرتقي، ويُنتقى أي ليس له نِقْي يستخرج؛ والنِّقي‏:‏ المخ، وأرادت بعُجَره وبُجَره عيوبَه الظاهرة والباطنة، والعَشَنَّق‏:‏ السيء الخُلق، والمُذَلّق‏:‏ المحدد، والوخامة‏:‏ الثقل، وفَهِد وأسِد‏:‏ فَعل فِعْل الفُهود من اللِّين وقلة الشر، وفِعْل الأسودِ من الشَّهامة والصرامة بين الناس، واقْتَفّ‏:‏ جمع واستوعب، واشْتَفّ‏:‏ استقصى، وغَيَاياء بالمعجمة المنهمك في الشر، وعَياياء بالمهملة الذي تُعْييه مباضعة النساء، وطَباقاء‏:‏ قيل‏:‏ الأحمق، وقيل‏:‏ الثقيل الصدر عند الجماع، وشَجَّك‏:‏ جرح رأسك، وبجَّك‏:‏ طعنك، وفَلّك‏:‏ جرح جسدك، والأرنب‏:‏ دُوَيِبّة لينة الملمس ناعمة الوَبَر، والزَّرْنَب‏:‏ نَبْت طيب الريح، والنِّجاد‏:‏ حمائل السيف، والمِزْهر‏:‏ آلة من آلات اللهو،، وأَنَاس‏:‏ أثقل، وفرعيّ‏:‏ يديّ، وبَجَحني‏:‏ عظمني، وغُنْيمة‏:‏ تصغير غنم‏.‏ وشِق بالكسر جهد من العيش، وأهل صَهيل؛ أي خيل، وأطيط؛ أي إبل، ودائس، أي زرع، ومُنِقّ بضم الميم وكسر النون وتشديد القاف أي أهل نقيق، وهو أصوات المواشي، وقيل، الدجاج، وأتَصَبّح‏:‏ أنام الصُّبْحة، وأَتَقنّح‏:‏ لا أجد مَساغاً، وأَتَمنَّح أطعم غيري، والعُكُوم‏:‏ الأعدال، وَرَداح‏:‏ مَلأَى، وفَساح‏:‏ واسع، وشَطْبة‏:‏ الواحدة من سَدى الحصير، والجَفْرة‏:‏ الأنثى من ولد المعز إذا كان ابن أربعة أشهر، وفيقة بكسر الفاء وسكون التحتية وقاف ما يجتمع في الضّرع بين الحلبتين، واليَعْرة‏:‏ الَعنَاق، ويميس‏:‏ يتبختر، والنَّثْرة‏:‏ الدِّرْع اللطيفة، وقَبّاء‏:‏ ضامرة البطن، وجائلة الوشاح بمعناه، وعَكْناء‏:‏ ذات أعكان، وقَعْماء‏:‏ ممتلئة الجسم، ونَجْلاء‏:‏ واسعة العين، ودَعْجاء‏:‏ شديدة سواد العين، ورَجّاء‏:‏ كبيرة الكَفَل، وزجَّاء‏:‏ مُقوَّسة الحاجبين، وقَنْواء‏:‏ مُحْدَوْدِبة الأنف، ومؤنقة منفقة‏:‏ مغذاة بالعيش الناعم، وبَرُود الظل‏:‏ حسنة العشرة، والألّ‏:‏ العهد، والخِلّ‏:‏ الصاحب، ولا تُنَقِّثُ ميرَتنا، أي لا تسرع في الطعام بالخيانة ولا تذهبه بالسرقة، والطهاة‏:‏ الطباخون، ولا تعرى‏:‏ لا تصرف، وتقدح‏:‏ تغرف، وتنصب‏:‏ ترفع على النار‏.‏ والجُمَم‏:‏ جمع جُمّة، القوم يُسألون في الدية، ومعكوس‏:‏ مَرْدود، والعُفاة‏:‏ السائلون، ومحبوس‏:‏ موقوف، وسَريّاً شريفاً، وشَرِياً‏:‏ فرساً خياراً، وخَطِّياً‏:‏ الرمح، وثريّاً‏:‏ كثيرة‏.‏

حديث الجواري الخمس اللائي وصفن خيل آبائهن

قال القالي في أماليه‏:‏ حدثنا أبو بكر بن دُرَيْد قال‏:‏ حدثني عمي عن أبيه عن ابن الكَلْبي عن أبيه قال‏:‏ اجتمع خَمْسُ جوارٍ من العرب، فقلن‏:‏ هَلْمُمْنَ ننَعتُ خيل آبائنا‏.‏

فقالت الأولى‏:‏ فرسُ أبي ورْدة، وما وَرْدة‏؟‏ ذاتُ كَفَل مُزْحْلَقٍ، ومَتْنٍ أَخْلق، وجَوْفٍ أَخْوق، ونَفْس مَرُوح، وعَيْنٍ طَروح، ورِجْلٍ ضَروح، ويدٍ سَبُوح، بُدَاهتها إهْذاب، وَعقْبها غلاب‏.‏

وقالت الثانية‏:‏ فرس أبي اللَّعَّاب، وما اللَّعَّاب‏؟‏ غَبْية سَحَاب، واضطرام غاب، مُتَرَصُ الأوْصال، أشَمُّ القَذَال، مُلاحَك المَحَال، فارسُه مُجِيد، وصَيْدُه عَتيد، إن أقبل فَظَبْيٌ مَعََّاج، وإن أَدْبر فَظَلِيم هَدَّاج، وإن أَحْضَر فَعِلْج هرَّاج‏.‏

وقالت الثالثة‏:‏ فرس أبي حُذَمة، وما حُذَمة‏؟‏ إن أقبلت فقناة مُقوَّمه، وإن أدبرت فأثْفِيّة مُلَمْلَمه، وإن أعرضت فذئبة مُعَجْرَمه، أرساغُها مَتَرَصه، وفصوصها مُمَعَّصه، جَرْيها انْثِرار، وتَقْريبها انْكِدار‏.‏

وقالت الرابعة‏:‏ فرس أبي خَيْفق، وما خَيْفَق‏؟‏ ذات ناهق مُعْرَق، وشِدْقٍ أشْدَق، وأديم مُمَلَّق، لها خَلْق أشْدف، ودَسِيع مُنَفْنَف؛ وتَلِيلٌ مُسَيَّف، وثَّابه زَلوج، خَيْفانة رَهوج، تَقْريبها إهْماج، وحُضْرها ارْتِعَاج‏.‏

وقالت الخامسة‏:‏ فرس أبي هُذْلول، وما هُذْلول‏؟‏ طريدُه مَحْبول، وطالبُه مَشْكول؛ رقيق الملاغِم، أمين المعَاقم، عَبْل المَحْزِم، مِخدٌّ مِرْجَم، مُنِيف الحارِك أشَمُّ السنابك، مجدول الخصائل، سَبِط الفلائل؛ غَوْج التَّلِيل، صَلْصَال الصَّهيل، أديمُه صاف، وسَبِيبُه ضاف؛ وعَفْوه كاف‏.‏

قال القالي‏:‏ المُزَحْلَق‏:‏ المُمَلَّس، والأخْلَق‏:‏ الأمْلَس، وأخْوَق‏:‏ واسع، ومَروح‏:‏ كثيرة المرح، وطَرُوح‏:‏ بعيدة موقع النظر، وضروح‏:‏ دَفُوع؛ تريد أنها تضرح الحجارة برجليها إذا عَدَتْ، وسَبُوح‏:‏ كأنها تَسْبح في عدْوها من سرعتها، وبُدَاهَتها‏:‏ فُجَاءتها؛ والبُداهة والبديهة واحد‏.‏ والإهْذاب‏:‏ السرعة، والعَقْب‏:‏ جَرْي بعد جَرْي، وغِلاَب‏:‏ مصدر غالبته؛ كأنها تغالب الجري‏.‏

والغَبْية‏:‏ الدَّفْعة من المطر، والغابُ‏:‏ جمع غابة، وهي الأجمة، ومُتْرَص‏:‏ محكم، وأشم، مرتفع‏.‏ والقَذَال‏:‏ مَعْقِد العِذار، ومُلاَحَك‏:‏ مُدَاخَل؛ كأنه دُوخِل بعضه في بعض، والمَحَال‏:‏ جمع مَحالة وهي فَقَار الظهر، ومُجيد‏:‏ صاحب جَواد، وعَتيد‏:‏ حاضر، ومَعَّاج‏:‏ مسرع في السير، وهدَّاج‏:‏ فَعّال من الهدْج وهو المشي الرُّوَيد؛ ويكون السريع، والعِلْج‏:‏ الحمار الغليظ، وهرّاج‏:‏ كثير الجري‏.‏

وحُذَمة‏:‏ فُعَلة من الحَذْم وهو السرعة، وقيل القَطْع، وقولها قَناة مُقَوّمة، تريد أنها دقيقة المُقَدّم، وهو مدح في الإناث، والأُثْفِيّة‏:‏ واحدة الأثافي، ومُلَمْلَمة‏:‏ مجتمعة؛ تريد أنها مدورة، وقولها مُعَجْرَمة؛ قال أبو بكر‏:‏ العَجْرمة‏:‏ وثْبة كوثْبة الظبي ولا أعرف عن غيره في هذا الحرف تفسيراً، ومُمَحّصة‏:‏ قليلة اللحم قليلة الشعر، وانْثِرار‏:‏ انْصِباب‏.‏

وخَيْفَق‏:‏ فَيْعل من الخَفْق وهو السرعة، والنَّاهقان‏:‏ العظمان الشاخصان في خَدَّي الفرس، ومُعْرَق‏:‏ قليل اللحم، وأشدق‏:‏ واسع الشِّدق، ومُمَلّق‏:‏ مملس، والأشْدَف‏:‏ العظيم الشخص، والدّسيع‏:‏ مُرَكّب العُنُُق في الحارِك، ومُنَفْنَف‏:‏ واسع، والتَّليل‏:‏ العنق، ومُسيَّف؛ كأنه سيف، وَزَلوج‏:‏ سريعة، والخَيْفانة‏:‏ الجرَادة التي فيها نقط سود تخالف سائر لونها، وإنما قيل للفرس‏:‏ خَيْفانة لسرعتها، لأن الجرادة إذا ظهر فيها تلك النقط كان أسرع لطيرانها، ورَهُوج‏:‏ كثيرة الرّهج، وهو الغبار، والإهْماج‏:‏ المبالغة في العَدْو، والارتعاج‏:‏ كثرة البرق وتتابعه‏.‏

ومَحْبول‏:‏ في حِبالة، ومشكول‏:‏ في شِكال والمَلاغم‏:‏ الجَحَافل، والمَعاقِم‏:‏ المفاصل، وعَبْل‏:‏ غليظ، والمَحْزِم‏:‏ موضع الحِزام، ومِخَدّ‏:‏ يخدُّ الأرض؛ أي يجعل فيها أخاديد أي شقوقاً، ومِرْجَم‏:‏ يرجم الحجر بالحجر، ومُنِيف‏:‏ مرتفع، والحارِك‏:‏ مِنْسَج الفرس، والسَّنابك‏:‏ أطراف الحوافر، واحدها سُنْبُك، ومجدول‏:‏ مفتول، والفَلِيل‏:‏ الشعر المجتمع، والفَوْج‏:‏ اللَّيِّن المِعْطَف، والصَّلْصَلة‏:‏ صوت الحديد، وكل صوت حاد، والسَّبيب‏:‏ شعر الناصية وضاف‏:‏ سابغ‏.‏

حديث أم الهيثم

وقال القالي في أماليه‏:‏ حدثنا أبو الحسن وابن دَرَسْتَوَيْه قالا‏:‏ حدثنا السكري قال، حدثنا المعمري، قال أخبرنا عمر بن خالد العثماني، قال‏:‏ قَدِمَتْ علينا عجوز من بني مِنْقَر، تكنى أم الهَيْثم، فغابت عنا، فسأل أبو عبيدة عنها، فقالوا‏:‏ إنها عليلة، قال‏:‏ فهل لكم أنْ نأتيَها‏؟‏ قال‏:‏فجئناها فاستأذنَّا عليها، فأذِنت لنا وقالت‏:‏ لِجُوا، فولجنا فإذا عليها بُجُد وأهدام، وقد طرحَتْها عليها، فقلت‏:‏ يا أم الهيْثَم، كيف تجِدينَك‏؟‏ قالت‏:‏ أنا في عافية، قلنا‏:‏ وما كانت عِلَّتك‏؟‏ قالت‏:‏ كنت وَحْمى بِدِكَة، فشهدت مأدُبة، فأكلت جُبْجُبة من صَفِيفِ هِلّعة، فاعترتني زُلّخَة، فقلنا لها‏:‏ يا أم الهيثم؛ أيّ شيء تقولين‏؟‏ فقالت‏:‏ أو للناس كلامان ما كلمتكم إلاّ الكلام العربي الفصيح‏.‏

حديث ابنة الخُسّ مع أبيها

قال القالي‏:‏ وحدثنا أبو بكر محمد بن أبي الأزهر، حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا عمرو بن إبراهيم السعدي ثم الغَوَيْثِي، قال‏:‏ قال لابنة الخُس أبوها‏:‏ أيُّ المال خير‏؟‏ قالت‏:‏ النخل، الرَّاسخات في الوَحْل، المُطْعمات في المَحْل‏.‏

قال‏:‏ وأيُّ شيء‏؟‏ قالت‏:‏ الضأن؛ قرية لا وَبَاء لها، تُنْتِجُها رُخالاً، وتَحْلُبُها عُلاَلاً، وتَجُزّها جُفَالاً، ولا أرى مثلها مالاً‏.‏

قال‏:‏ فالإبل مالك تُؤَخرنِيهَا‏؟‏ قالت‏:‏ هي أركاب الرجال، وأرقاء الدماء، ومهور النساء‏.‏

قال‏:‏ فأي الرجال خير‏؟‏ قالت‏:‏

خير الرجال المُرََهَّقُون كما *** خير تِلاعِ البلاد أوْطؤُها

قال‏:‏ أيهم‏؟‏ قالت‏:‏ الذي يُسْأل ولا يَسأل، ويُضيف ولا يُضاف، ويُصْلِح ولا يُصْلَح‏.‏

قال‏:‏ فأيُّ الرجال شر قالت‏:‏ الثُّطَيْط النُّطَيْط، الذي معه سُوَيط، الذي يقول أدركوني من عبد بني فلان فإني قاتله أو هو قاتلي‏.‏

قال‏:‏ فأيُّ النساء خير‏؟‏ قالت‏:‏ التي في بطنها غلام، تقود غلاماً، وتحمل على وَرِكها غلاماً، ويمشي وراءها غلام‏.‏

قال‏:‏ فأيّ الجمال خير‏؟‏ قالت‏:‏ الفحل السِّبَحْل الرِّبحل‏؟‏ الراحلة الفَحْل، قال‏:‏ أرأيتك الجذَع‏؟‏ قالت‏:‏ لا يضرب ولا يَدع، قال‏:‏ أرأيتك الثَّنِيّ‏؟‏ قالت‏:‏ يضرب وضِرَابُه وفيّ، قال‏:‏ أرأيتك السَّدَس‏؟‏ قالت‏:‏ ذلك العَرَس‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ الثُّطَيط‏:‏ الذي لا لحية له، والنُّطَيْط‏:‏ الهِذْريان، وهو الكثير الكلام يأتي بالخطأ والصواب عن غير معرفة، والسِّبحْل والرِّبَحل‏:‏ البخيل الكثير اللحم‏.‏

سؤال بعض الأعراب لابنة الخُسّ

وقال أبو بكر‏:‏ حدثني أحمد بن يحيى حدثنا عبيد اللّه بن شبيب حدثنا داوود بن إبراهيم الجَعْفري، عن رجل من أهل البادية، قال‏:‏ قيل لابنة الخُس‏:‏ أي الرجال أحب إليك‏؟‏ قالت‏:‏ السهل النجيب، السَّمح الحسيب، النَّدْب الأريب، السّيد المهيب، قيل‏:‏ فهل بقي أحد من الرجال أفضل من هذا‏؟‏ قالت‏:‏ نعم الأهيف الهَهاف الأنِف العياف، المفيد المتلاف، الذي يخيف ولا يخاف‏.‏

قيل‏:‏ فأي الرجال أبغض إليك‏؟‏ قالت‏:‏ الأَوْرَه النّؤوم، الوَكل السَّؤوم، الضعيف الحَيْزُوم، اللئيم الملوم، قيل‏:‏ فهل بقي أحد شر من هذا‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، الأحْمق النزَّاع، الضائع المُضاع، الذي لا يُهاب ولا يطاع‏.‏

قالوا‏:‏ فأيّ النساء أحب إليك‏؟‏ قالت‏:‏ البيضاء العَطِرة كأنها ليلة قمِرة، قيل‏:‏ فأي النساء أَبغَض إليك، قالت‏:‏ العِنْفِص القصيرة التي إن استنطقتها سَكَتَتْ، وإن أسكتّهَا نطقت‏.‏

ضبّ ابنة الخُسّ

قال ابن دريد في أماليه‏:‏ أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرني عمي، قال‏:‏ قيل لابنه الخس‏:‏ ما ضَبّك‏؟‏ قالت‏:‏ ضَبِّي أعور عنين، ساحٍ حابل، لم ير أنثى ولم تره‏.‏

قولها‏:‏ أعور، أي لا يبرح جُحْره، والساحي‏:‏ الذي يأكل السَّحَاة، والحابل‏:‏ الذي يأكل الحَبْلة؛ وهو ثمر الآلاء والسَّرْح‏.‏

خير النساء وشر النساء

وفي أمالي القالي‏:‏ قال بَهْدل الزُّبَيْريّ‏:‏ أتى رجل ابنة الخُسّ يستشيرها في امرأة يتزوجها فقالت‏:‏ انظر رَمْكاء جسيمه، أو بيضاءَ وَسيمه، في بيت جِدّ، أو بيت حَدّ، أو بيت عز، فقال‏:‏ ما تركت من النساء شيئاً، قالت‏:‏ بلى شر النساء تركت؛ السُّوَيْدَاء المِمْراض، والحُمَيْراء المِحْياض، الكثيرة المِظَاظ‏.‏

قال‏:‏ وحدثني الكلابي، قال‏:‏ قيل لابنة الخُس‏:‏ أي النساء أسْوَأ‏؟‏ قالت‏:‏ التي تقعد بالفِناء وتملأ الإناء، وتمذُق ما في السقاء، قيل‏:‏ فأي النساء أفْضَل؛ قالت‏:‏ التي إذا مشت أغْبَرَت، وإذا نطقت صَرْصرت، مُتَوَرّكة جارية، تتبعها جارية، في بطنها جارية، قيل‏:‏ فأي الغلمان أفضل‏؟‏ قالت‏:‏ الأسْوَق الأعنق، الذي إنْ شب كأنه أحمق، قيل‏:‏ فأي الغلمان أفسل‏؟‏ قالت‏:‏ الأُوَيْقِص القصير العَضُد، العظيم الحاوية، الأُغَيْبِر الغشاء، الذي يطيع أمه ويعصي عمه‏.‏ الرَّمْكاء‏:‏ السمراء، والمِظَاظ‏:‏ المشارَّة، وأغبرت‏:‏ أثارت الغبار، وصرصرت‏:‏ أحدَّت صوتها، والأسوق‏:‏ الطويل الساق، والأعنق‏:‏ الطويل العُنق، والأُوَيْقِص‏:‏ تصغير أوْقص، وهو الذي يدنو رأسُه من صدره، والحاوية‏:‏ ما تَحَوَّى من البطن؛ أي استدار‏.‏

خبر الإبل

وفي نوادر ابن الأعرابي‏:‏ قال أبو بنت الخُسّ- وأراد أن يشتري فحلاً لإبله- أَشيروا عليّ كيف أشتريه‏؟‏ فقالت هند ابنته‏:‏ اشتره كما أصفه لك؛ قال‏:‏ صفيه، قالت‏:‏ اشتره ملجم اللَّحْيين، أسْجَع الخدين، غائر العينين، أرْقب أحْزم، أعلى أكرم، إن عصى غشم، وإن أطيع تَجَرْثَم‏.‏

الأرقب‏:‏ الغليظ العنق، والأحزم‏:‏ الغليظ موضع الحزام مع شدة‏.‏

ما أَحْسَنُ شيء‏؟‏

وفيها‏:‏ قيل لابنه الخُسّ والخس والخص كل ذلك يقال‏:‏ ما أحسن شيء‏؟‏ قالت‏:‏ غادية في أثر سارِية، في نَبخَاء قَاوِية‏.‏

نَبْخاء‏:‏ أرض مرتفعة، وقالوا أيضاً‏:‏ نفخاء؛ أي رابية، ليس فيها رمل ولا حجارة؛ والجمع النباخي‏.‏

مَخض الفلانية

وفيها‏:‏ قالت هند بنت الخس بن جابر بن قريط الإيادية لأبيها‏:‏ يا أبت مَخضَت الفلانية- لناقة لأبيها- قال‏:‏ وما علمك‏؟‏ قالت‏:‏ الصَّلا راجّ، والطرف راجّ، ويمشي وتَفاجّ، قال‏:‏ أمْخضَت يا بنية فاعْقِلي‏.‏

راجّ‏:‏ يرتج، ولاَجّ‏:‏ يَلَجُّ في سرعة الطَّرْف، وتَفَاجَّ‏:‏ تباعد ما بين رجليها‏.‏

ما مائة من المعز

وفيها‏:‏ قيل لابنة الخُسّ‏:‏ ما مائة من المَعِز‏؟‏ قالت‏:‏ مُوَيل يشفُّ الفقر من ورائه؛ مال الضعيف، وحرفة العاجز، قيل‏:‏ فما مائة من الضأن‏؟‏ قالت‏:‏ قَرْية لا حِمَى بها، قيل‏:‏ فما مائة من الإبل‏؟‏ قالت‏:‏ بَخٍ، جَمالٌ ومال، ومُنى الرجال، قيل‏:‏ فما مائة من الخيل‏؟‏ قالت‏:‏ طَغَى من كانت عنده، ولا يوجد؛ قيل‏:‏ فما مائة من الحُمر‏؟‏ قالت‏:‏ عازبة الليل، وخِزْي المجلس؛ لا لبن فيُحتلب، ولا صوف فيجتزّ‏؟‏ إن ربطت عِيرها دَلّى، وإن أرسلته ولّى‏.‏

إلقاح الإبل

وفي نوادر أبي زيد‏:‏ قال الخُسّ لابنته‏:‏ هل يُلقح الجَذَع‏؟‏ قالت‏:‏ لا، ولا يَدَع، قال‏:‏ فهلْ يُلْقح الثَّنِيّ‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، وإلقاحه أَنيّ؛ أي بطيء، قال‏:‏ فهل يُلْقح الرَّباع‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، برحب ذِرَاع، قال‏:‏ فهل يُلْقِحُ السَّدِيس‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، وهو قَبِيس، قال‏:‏ فهل يُلقح البازل‏؟‏ قالت‏:‏ نعم وهو رازم؛ أي ساقط مكانه لا يتحرك‏.‏

قال ابن الأعرابي في نوادره‏:‏ يقال‏:‏ ابنة الخُسّ والخُسْف، ويقال‏:‏ إنها من العماليق من بقايا قوم عاد‏.‏

حديث أم الهيثم

قال ابن دريد في الجمهرة‏:‏ أخبرني أبو حاتم‏:‏ قال‏:‏ رأيت مع أم الهيثم أعرابية في وجهها صفرة، فقلت‏:‏ مالَكِ‏؟‏ قالت‏:‏ كنت وَحْمَى بدِكَة، فحضرت مأدبة، فأكلت خَيْزُبة، من فِراص هِلَّعة، فاعترتني زُلَّخة، قال‏:‏ فضحكت أم الهيثم، وقالت‏:‏ إنك لذات خُزَعْبِلات؛ أيْ لهو‏.‏

قولها‏:‏ بدِكَة؛ أي تشتهي الوَدَك، الخَيْزُبة‏:‏ اللحم الرخْص، والفِراص‏:‏ جمع فريصة وهي لحم الكتفين، والهلَّعة‏:‏ العَناق‏.‏

عُدّة الشتاء

وفي الجمهرة‏:‏ قال أبو زيد‏:‏ قيل للعنز‏:‏ ما أعددتِ للشتاء‏؟‏ قالت‏:‏ الذََّنَبُ أَلْوَى، والاست جَهْوى‏.‏

وقيل للضأن‏:‏ ما أعدتِ للشتاء‏؟‏ قالت‏:‏ أُجَزُّ جُفالاً‏.‏ وأُوَلَّد رُخَالاً وأُحْلَبُ كُثَباً ثِقَالاً، ولن ترى مثلي مالاً‏.‏

الجَهْوَى‏:‏ المَكْشوفة‏.‏

وقيل للحمار‏:‏ ما أعددت للشتاء‏؟‏ قال‏:‏ جبهة كالصَّلاءة، وذنباً كالوَتَرة‏.‏ وفي أمالي ثعلب‏:‏ تقول العرب‏:‏ قيل للحمار‏:‏ ما أعددت للشتاء‏؟‏ فقال‏:‏ حافراً كالظُّرر، وجبهة كالحجر‏.‏

الظُّرَر‏:‏ الحجارة‏.‏

وقيل للكلب‏:‏ ما أعددت للشتاء‏؟‏ فقال‏:‏ أَلِوي ذنبي، وأربِض عند باب أهلي‏.‏

وقيل للمعزى‏:‏ ما أعددت للشتاء‏؟‏ فقالت‏:‏ العظم دِقاق، والجلد رِقاق، واست جَهْوى، وذَنَب ألْوى، فأين المأوى‏!‏

من حيل الأعراب

وقال ابن دريد‏:‏ أخبرنا عبد الرحمن عن عمه،قال‏:‏ خاطر رجل أعرابياً أن يشرب علبة لبن ولا يتنحنح، فلما شرب بعضها جهده، فقال‏:‏ كبش أملح، فقال‏:‏ تنحنحت، فقال‏:‏ من تنحنح فلا أفلح‏.‏

غلام ينشد عنزاً

وقال القالي‏:‏ حدثنا أبو بكر بن دريد، قال‏:‏ أخبرنا عبد الرحمن عن عمه عن أبي عمرو بن العلاء، قال‏:‏ رأيت باليمن غلاماً من جَرْم يَنْشد عنزاً‏:‏ فقلت‏:‏ صفها يا غلام، فقال‏:‏ حَسْراء مُقْبلة، شَعْرَاء مُدْبرة، ما بين غُثْرة الدُّهسة، وقُنُوء الدُّبسة، سَجحاءُ الخدين، خَطْلاء الأذنين، فَشْقاء الصُّوَرين، كأَنَّ زَنَمَتَيْها تَتْوَا قَُلَنْسِية، يا لها أُمَّ عيال وثِمال مال‏!‏ قوله‏:‏ حسراء مقبلة؛ يعني أنها قليلة شعر المُقَدّم قد انْحَسرَ شعرها، والغُثْرة‏:‏ غُبْرة كَدِِرة، والدُّهسة‏:‏ لون كلون الدَّهاس من الرمل، وهو كل لَيِّن لا يبلغ أن يكون رملاً وليس بتراب ولا طين، والقُنُوء‏:‏ شدة الحمرة، والدُّبسة‏:‏ حمرة يعلوها سواد، وسَجْحاء الخدين‏:‏ حَسنتهُما، وخَطْلاء‏:‏ طويلة الأذُنين مضطربتهما، وفَشْقاء‏:‏ منتشرة متباعدة، والصُّوران‏:‏ القرنان، والزَّنَمتان‏:‏ الهُنَيَّتان المتعلقتان ما بين لَحي العنز، والتَّتْوان‏:‏ ذؤابتا القَلَنْسُوة، واحدتها تَتْو‏.‏

أكرم الإبل

وقال القالي‏:‏ حدثنا أبو عبد اللّه نِفطويه حدثنا، أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي، قال‏:‏ قيل لامرأة من العرب‏:‏ أيُّ الإبل أكرم‏؟‏ فقالت‏:‏ السرية الدِّرَّة، الصَّبور تحت القِرَّة، التي يكرمها أهلها إكرام الفتاة الحرة‏.‏

قالت الأخرى‏:‏ نعمت الناقة هذه، وغيرها أكرم منها، قيل‏:‏ وما هي‏؟‏ قالت‏:‏ الهَمُوم الرَّمُوم، القطوع للدَّيْمُوم، التي تَرْعى وتَسُوم‏.‏

أي لا يمنعها مَرُّها وسرعتها أن تأخذ الكلأ بفيها، والرّموم‏:‏ التي لا تبقي شيئاً، والهَمُوم‏:‏ الغزيرة‏.‏

كل فتاة تصف أباها

وبهذا الإسناد، قال‏:‏ أغار قوم على قوم من العرب فقتل منهم عدَّة نفر، وأفْلِت منهم رجل؛ فتعجل إلى الحي، فلقيه ثلاث نسوة يسألن عن آبائهن، فقال‏:‏ لتصف كل واحدة منكن أباها على ما كان، فقالت إحداهن‏:‏ كان أبي عَلَى شَقَّاء مَقَّاء طويلة الأنْقاء، تَمَطَّقَ أُنْثَياها بالْعَرَق، تَمَطُّق الشيخ بالمَرَق، فقال‏:‏ نجا أبوك قالت الأخرى‏:‏ كان أبي على طويلٍ ظهرُها، شديدٍ أسْرُها؛ هاديها شطرُها، قال‏:‏ نجا أبوك قالت الأخرى‏:‏ كان أبي على كَزَّةٍ أنوح، يُرويها لبن اللَّقوح، قال‏:‏ قتل أبوك فلما انصرف الفَلّ أصابوا الأمرَ كما ذَكر‏.‏

شَقَّاء مَقَّاء‏:‏ طويلة، والأنقاء‏:‏ جمع نِقْى وهو كل عظم فيه مخ، والتَّمطُّق‏:‏ التَّذَوّق؛ وهو أن تطبق إحدى الشفتين على الأخرى مع صوت بينهما، والأسر‏:‏ الخَلْق، والهادِي‏:‏ العُنق، والأنوح‏:‏ الكثير الزَّحِير في جريه‏.‏